أقلام الثبات
أعلن البيت الأبيض في بيان، أنّ "اتفاق وقف إطلاق النّار بين لبنان وإسرائيل، الّذي تراقبه الولايات المتّحدة الأميركيّة، سيبقى ساري المفعول حتّى 18 شباط المقبل"، مشيرًا إلى أنّ "حكومات لبنان وإسرائيل والولايات المتّحدة ستبدأ أيضًا في مفاوضات بشأن عودة اللّبنانيّين الّذين تمّ أَسرهم بعد 7 تشرين الأوّل 2023". وبعد دقائق من صدور إعلان البيت الأبيض، أصدر الرئيس نجيب الميقاتي بياناً يعلن فيه استمرار وقف إطلاق النار حتى 18 شباط أيضاً.
من غير الواضح ما هي مفاعيل هذا الإعلان الأميركي، وإذا كان يعني السماح "لإسرائيل" بالبقاء في القرى اللبنانية ومنع الأهالي من العودة الى بلداتهم حتى تاريخ 18 شباط، أو أنه يعني السماح "لإسرائيل" بالبقاء في مواقع محددة خارج البلدات وعلى بعض التلال المشرفة، على أن تقوم بالانسحاب منها فيها في 18 شباط.
في كل الأحوال، لا يمكن للبنانيين الوثوق بنوايا "اسرائيل" في الانسحاب من جنوب لبنانية، خصوصاً أن الهدف "الاسرائيلي" الأساسي من حرب لبنان كان إقامة حزام أمني في الجنوب اللبناني يمتد الى جنوب الليطاني، وفي ظل سعي أميركي حثيث لإعطاء "اسرائيل" في الاتفاق ما لم تستطع أن تحققه في الحرب البرية.
منذ ما قبل توقيع وقف إطلاق النار، تحدث نتنياهو عن ورقة ضمانات أميركية تسمح له بحرية الحركة في لبنان، بالرغم من نفي هوكشتاين هذا الأمر، وما أن انتهت مهلة الستين يوماً المحددة في الاتفاق، حتى ادّعى نتنياهو أنه ينتظر ضوءًا أخضر من ترامب للبقاء في لبنان وعدم الانسحاب منه في المهلة المحددة. وبالفعل، يبدو أن ترامب وافق على عدم قيام "اسرائيل" بالانسحاب، مما اضطر الأهالي الى الزحف نحو قراهم المحتلة لتحريرها، وسقط الشهداء والجرحى.
لقد أثبت يوم الستين وما حصل فيه، أمرين:
الأول: أن "اسرائيل" لم تدخل الى لبنان لتخرج منه، وبالتالي لا شيء غير القوة يستطيع أن يحرر الأرض، وهذا بعكس كل الادعاءات التي سادت خلال فترة شهرين من أن القرارات والاتفاقيات الدولية قادرة على حماية لبنان من الأطماع "الإسرائيلية".
وعليه، كل حديث عن عدم تسليح الجيش اللبناني وإبقاء الدولة اللبنانية متسلحة بالنوايا الحسنة وبالدعم الدولي بدون قوة عسكرية فاعلة، لا يُمكن أن يُصرف في معادلات القوة وبناء الدولة في المستقبل.
الثاني: بعكس كل ما أشيع عن انتهاء حزب الله في لبنان، أعطى التعنت "الاسرائيلي" والعنجهية الداخلية والخارجية المترافقة معها، الفرصة الذهبية للمقاومة لإثبات قوة حضورها على الأرض، وحوّلت ما قيل إنه هزيمة (برأي بعض اللبنانيين)، وما قال عنه الشيخ نعيم قاسم إنه صمود، الى انتصار واضح عبر دحر الاحتلال دحراً من الأرض اللبنانية بالقوة الشعبية.
في النهاية، لا يسعنا إلا أن نستذكر ما قاله المؤرخ والكاتب "الإسرائيلي" مايكل أورن في "يديعوت أحرونوت"، يوم توقيع وقف إطلاق النار مع لبنان في 27 تشرين الثاني المنصرم، يقول أورن:
"قبل 31 عاماً، وفي ليلة توقيع اتفاقات أوسلو، نظرتُ من نافذة مكتبي في القدس ورأيت الألعاب النارية تضيء سماء شرق القدس، بينما كان غربها مظلماً وهادئاً.. عدت إلى منزلي، وقلت لعائلتي: أعتقد أننا في ورطة".
ويضيف : "تذكرت هذه الليلة لحظة إعلان وقف إطلاق النار في لبنان. يحتفل اللبنانيون الآن. الآلاف يعودون إلى منازلهم في الجنوب، ومثلما رأيت سكان غرب القدس في ذلك اليوم من نافذة مكتبي، هذه حال سكان إسرائيل الصامتون والشمال المظلم، ولا أحد من سكان الشمال يسارع إلى العودة إلى منزله".