الثبات- إسلاميات
إن بعد كل محنة منحة، وبعد كل بلاء عطاء، وبعد كل ضيق فرج ونصر من الله تعالى، وهكذا أتت معجزة الإسراء والمعراج منحة وكرامة ونصرة وتخفيف لأحزان حبيب الله سيدنا محمد ﷺ بعد وفاة عمه أبي طالب، الذي كان يناصره ويدافع عنه وبعد وفاة زوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي كانت الداعمة له بكل ما أوتيت وما تستطيع، وبعد مالقيه النبي ﷺ من أهل الطائف
قال تعالى:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} فأسرى الله بعبده جسدًا وروحًا، يقظة لا منامًا من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك، راكبًا على البُراق بصحبة سيدنا جبريل عليه السلام، في مدة زمنية قصيرة خارقة للعادة، فنزل بالمسجد الأقصى وصلى بالأنبياء جميعًا إمامًا، إشارة إلى أنهﷺ سيد الكل في الحضرات وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين وأن رسالتهﷺ عامة لجميع العالم
وقوله تعالى:{بعبده} إشارة إلى رفعة مكانة النبيﷺ، وأنه ﷺ عبدُ الله، وأن وصف العبودية لله تعالى هو أعلى مقام، لأن كل المقامات تندرج ضمنه
وقوله تعالى:{إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} تنبيهًا للمسلمين جميعًا إلى شرف هذه الأراضي المقدسة، وأنها جزء أصيل من المكوِّنِ العقديِّ للمسلم، أيًّا كان موطنُه؛ فالمسلم مرتبط بالله تعالى وبأوامره ليكون عبدًا لله تعالى حقًا وحقيقة، وإلَّا يصبح عبد القوميات والتيارات والأهواء، قالﷺ: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله))
لذا كان ارتباطُ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالأقصى والقدس وفلسطين هو ارتباط عقديّ إيماني قرآني، وليس ارتباطًا انفعاليا عابرًا ولا موسميًّا مؤقَّتًا، فالقدس بقعةٌ مباركة من أقدس البلاد وأشرفها، وهي أرض النُّبوات، وتاريخُها مرتبط بسِيَرِ الرسل الكرام عليهم السلام ولذلك كان اجتماع الأنبياء في هذه الليلة فيها، ولذا كان مسراهﷺ إليه، فهي غالية علينا، دينًا ودنيا، ولن نُفَرِّط فيها أبدًا وبالدفاع عنها بكل ما أوتينا من قوة مهما كانت المغريات، ومهما عظمت التَّهديدات بإذن الله تعالى.