العالم العربي بين "إسرائيل الكبرى" أو "تركيا الكبرى" _ د. نسيب حطيط

الأحد 19 كانون الثاني , 2025 01:31 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
 بعد معركتي "طوفان الأقصى" و"طريق القدس"، والإنهاك الذي تعرّضت له "إسرائيل" على مدى 14 شهراً؛ في أطول حرب تخوضها منذ تأسيسها وما أصابها من خسائر والتهديد الوجودي الذي لامسته لأول مرة وخسرت معادلة الحروب السريعة التي اعتادت عليها في صراعها مع الفلسطينيين والعرب، مما اضطّر الإدارة الأمريكية للتدخل المباشر والدعم والاستثنائي، خصوصاً بعد التدخل اليمني في البحر الاحمر واغلاق باب المندب هذه القوه الجديدة التي فاجأت العالم وكانت خارج حسابات التحالف الأميركي - "الإسرائيلي".
بادرت اميركا لتغيير استراتيجيتها وتبديل خططها بعدما شعرت بضعف الكيان وعدم قدرته على الاستمرار في تأمين المصالح الأميركية، كما كان طوال 70 عاماً  وصار عاجزاً عن حماية نفسه والمهام الموكولة اليه كدولة وظيفية، لتأمين المصالح الأمريكية والغربية، وأولى نقاط ضعفه النقص في العديد البشري الذي لا يستطيع خوض حروب على عدة جبهات، خصوصاً اذا كانت طويلة وسبب آخر جوهري  عدم امكانية الاندماج بين "الاسرائيليين"  والشعوب العربية وان التطبيع يطال الأنظمة ولا يمكن تثبيته شعبياً،  كما الحال في مصر بعد 40 عاما من اتفاقيات "السلام" وفي دول أخرى.
بين الضعف والعجز "الإسرائيلي" والقرار الأميركي، بعدم خوض حروب مباشرة بدأت أميركا بتغيير استراتيجيتها في الشرق الاوسط ونقل المهام "الإسرائيلية" لتأمين المصالح الأمريكية وقمع حركات التحرر وطمس الهوية العربية والإسلامية وإسنادها الى تركيا للاعتبارات التالية:
-   العديد البشري التركي حوالي 70 مليون مقابل اقل من 10 ملايين "اسرائيلي" في فلسطين المحتلة، مما يؤمن جنوداً مقاتلين بأعداد كبيرة.
-  التاريخ العثماني الذي حكم البلاد العربية حوالي 400 عام ويستطيع طرح استعادة الخلافة التركية، بحجة ان الاستعمار الفرنسي والانجليزي قد اسقطها وليس الشعوب العربية.
-  القدرة التركية على التسلل والانتشار في العالم العربي من موقعها الإسلامي "السّني"، وعدم وجود نفور أو عداء معها كما هو الحال مع "اسرائيل"  وبالتالي لا تعتبر جسماً غريباً، بل سيتعاطى معها البعض وكأنها المنقذ للهوية السنية مقابل التهديد "الفارسي - الشيعي".
- إمساك تركيا بقوتين كبيرتين عند  هل "السّنة"، يتمثّلان "بجماعة الإخوان المسلمين" المنتشرة في كل الدول العربية والإسلامية، بالتلازم مع ادارة وقيادة الجامعات التكفيرية، وهذا ما لا تستطيع "إسرائيل" القيام به مباشرة، وبالتالي تمتلك تركيا قوى محلية في كل بلد عربي، تستطيع دعمها للضغط  على أي بلد عربي وربما اسقاطه.
ان ملامح نجاح الاستراتيجية الأميركية الجديدة بنقل مهام حماية المصالح الأميركية ومواجهة المشروع المقاوم بدأت عبر اسقاط سوريا بيد تركيا بدون أي طلقة رصاص؛ كما قال الرئيس التركي أردوغان، واخراج العرب من سوريا وبدء التوجّه نحو العراق تحت عنوان "استرداد وتحرير محافظتي الموصل وصلاح الدين" ومقاتلة الأكراد الانفصاليين، مع بدء التحضير التركي لشمال لبنان عبر الجماعات التكفيرية والسلفية المتطرفة، بعنوان الحراك اللبناني المحلي ضد المقاومة بالمعطى المذهبي والسياسي، وإعفاء هيئه تحرير الشام من مسؤولية التدخل في لبنان مع تقديمها لكل الدعم اللوجستي والبشري.
المشروع التركي الأميركي يتقدم بشكل متسارع، مستفيداً من تفكك وضعف الدول العربية وخلافاتها ولتعاون بعض العرب على مستوى الأنظمة مع تركيا، بسبب الصراع الخليجي - الخليجي، ولأن اغلب الشعوب العربية تشعر بالمظلومية من أنظمتها وتريد الثأر منها بالتعاون مع تركيا.
بدأت تركيا بتحمّل المهام والمسؤوليات التي كانت تقوم بها "إسرائيل"، لصالح اميركا لإعطاء "إسرائيل" الفرصة التي تحتاجها لترميم بنيتها العسكرية والاقتصادية، ولكي تعفي اميركا من الوجود العسكري المباشر، وستمنح اميركا تركيا وكالة غير مشروطة، بما لا يقل عن 10 سنوات، مع حرية التصرف والدعم لتأمين البديل الحارس للمشروع الأميركي الأميركي قبل زوال "إسرائيل".
هل سيدفع الدور التركي الجديد السعودية وإيران الى التحالف وفق نظام تقاطع المصالح واستعادة الحروب القديمة بينهما، والتي انتصرت فيها تركيا على السعودية وايران، لمنع قيام "تركيا الكبرى"؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل