العبرة بالخواتيم...

الأربعاء 08 كانون الثاني , 2025 10:26 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات- إسلاميات

عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدثنا رسول اللهﷺ وهو الصادق المصدوق:((إنَّ أحدكم يُجمع خَلْقُهُ في بطن أُمِّه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون عَلَقة مثل ذلك، ثم يكون مضغةَ مثل ذلك، ثُم يُرْسل إليه الملك فينفخُ فيه الرُّوح ويُؤمَرُ بأربعِ كلماتٍ بكتْبِ رِزِقه وأجله وعمَلِه وشَقي أو سعيد فوالله الذي لا إله غيرُه إن أحدكُم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع، فيَسْبق عليه الكتاب فيعمَل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكُم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينَه وبينها إلّا ذراع، فيَسْبق عليه الكتاب فيعمَل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) رواه البخاري ومسلم

هذا الحديث عظيم جامع لأحوال الإنسان من مبدأ خلقه ومجيئه إلى هذه الحياة الدنيا إلى آخر أحواله من الخلود في دار السعادة أو الشقاء، بما كان منه في الحياة الدنيا من كسب وعمل، وفق ما سبق في علم الله فقدره وقضاه يرشد هذا الحديث إلى أمور منها أحوال خلق الإنسان تحدثنا عنها بمنشور سابق "أطوار خلق الإنسان وخاتمته"، وأمورعقائدية أيضًا منها:

1- علم الله تعالى: إن الله تعالى يعلم أحوال الخلق قبل أن يخلقهم، فما يكون منهم شيء من إيمان وطاعة أو كفر ومعصية، وسعادة وشقاوة؛ إلا بعلم الله وإرادته، وقد تكاثرت النصوص بذكر الكتاب السابق؛ ففي البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبيﷺ قال:((ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة)) فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقالﷺ:((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ:{فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}))

وعلى ذلك فإن علم الله لا يرفع عن العبد الاختيار والقصد؛ لأن العلم صفة غير مؤثرة، وقد أمر الله تعالى الخلق بالإيمان والطاعة، ونهاهم عن الكفر والمعصية، وذلك برهان على أن للعبد اختياراً وقصدًا إلى ما يريد، وإلا كان أمر الله تعالى ونهيه عبثًا، وذلك محال، قال تعالى:{ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكَّاها وقد خاب من دسَّاها}

2- الاحتجاج بالقدر: لقد أمرنا الله تعالى بالإيمان به وطاعته، ونهانا عن الكفر به سبحانه وتعالى ومعصيته، وذلك ما كلفنا به، وما قدره الله لنا أو علينا مجهول بالنسبة إلينا لا علم لنا به ولسنا مسؤولين عنه، فلا يحتج صاحب الضلالة والكفر والفسق بقدر الله وكتابته وإرادته قبل وقوع ذلك منه قال الله تعالى:{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}

أما بعد وقوع المقدور فيكون الاحتجاج بالقدر مأذونًا به، لما يجد المؤمن من راحة عند خضوعه لقضاء الله تعالى، وقضاء الله تعالى للمؤمن يجري بالخير في صورتي السراء والضراء

3- الأعمال بالخواتيم: روى البخاري عن سهل بن سعد عن النبيﷺ قال:((إنما الأعمال بالخواتيم)) ومعنى ذلك أن من كتب له الإيمان والطاعة آخر العمر، قد يكفر بالله ويعصي الله حينًا، ثم يوفقه الله تعالى إلى الإيمان والطاعة في فترة من الزمان قبل آخر عمره، ويموت على ذلك فيدخل الجنة

 ومن كتب عليه الكفر والفسوق آخر العمر، قد يؤمن ويطيع حينًا، ثم يخذله الله-بكسب العبد وعمله وإرادته- فينطق بكلمة الكفر، ويعمل بعمل أهل النار، ويموت على ذلك فيدخل النار فلا يغترن بظاهر حال الإنسان؛ فإن العبرة بالخواتيم، ولا يأس من ظاهر حال الإنسان، فإن العبرة بالخواتيم، نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على الإيمان

4- الدعاء للقلب بالثبات: كان النبيﷺ يكثر في دعائه:((يامقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك)) وجاء عنهﷺ قوله:((إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلب واحد يصرفه كيف يشاء)) ثم قالﷺ:((اللهم مصرف القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك))

ذكر ابن حجر الهيتمي: "إن خاتمة السوء تكون- والعياذ بالله- بسبب دسيسة باطنية للعبد، ولا يطلع عليها الناس، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خير خفية تغلب عليه آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة"

وحكى عبد العزيز بن داود قال: حضرت عند محتضر لقن الشهادتين فقال: هو كافر بهما: فسأل عنه، فإذا هو مدمن خمر، وكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل