أقلام الثبات
بهذه الكلمات إختصر احد كبار الضباط السابقين بالإستخبارات الأميركية، مآل التطوّرات المرتقبة في العام الجديد- وفق ما نقله دبلوماسي عربي، بعد ما شهده عام 2024 المنصرم من نكسات اصابت محور المقاومة،وتحوّلات جيواستراتيجية في المنطقة تُوّجت بإسقاط الدولة السوريّة بالذّراعَين "الاسرائيلي"-التركي برعاية اميركية كاملة، ومسارعة "اسرائيل" الى احتلال مناطق سوريّة استراتيجية-خصوصا جبل الشيخ، بعد تدميرها لكلّ مقدّرات الجيش السوري، ليُعلن بنيامين نتنياهو بنشوة عارمة وعلى الملأ" إننا نغيّر فعليّا الشرق الاوسط وقضينا على أذرع الشرّ التابعة لإيران"، فيما عينه على الاردن لربما قبل مصر والعراق وصولا الى السعودية.."هو الاردن الذي يطمع به نتنياهو وليس طهران" -وفق ما يؤكد العقيد الاميركي المتقاعد لورانس ويلكرسون، المتيقّن في الوقت نفسه" انّ اسرائيل لن تكون موجودة قريبا"!
لكنّ نشوة نتنياهو اصطدمت سريعا بحائط صلب هو اليمن- العقدة المستعصية التي باتت تصدّع رأس نتنياهو ورؤوس كلّ قادة ومسؤولي" اسرائيل" ومن خلفهم الولايات المتحدة نفسها. والصواريخ الباليستيّة والطائرات المسيّرة التي تطلقها حركة"انصار الله" اليمنيّة على عمق الكيان" الاسرائيلي" لم تعد مصدر قلق وارباك ورعب للمسؤولين والمستوطنين على حدّ سواء وحسب- وليس آخرها الصاروخ الباليستي اليمني الذي دفع ب 5 ملايين "اسرائيلي" فجر اليوم للهروب الى الملاجىء..
بل دخلت هذه الصواريخ ايضا على خطّ زيادة الشّرخ وتضارب خيارات قادة الكيان، حيال كيفيّة التعامل مع المعضلة اليمنيّة، وطفا الخلاف بين نتنياهو ورئيس جهاز "الموساد" دافيد بارينا على السّطح بشكل حادّ. ففيما شدّد بارينا على ان يكون الرّد على ايران بشكل مباشر، ذهب نتنياهو ووزير حربه، صوب خيار شنّ ضربات قاسية ضدّ "انصار الله" بدلا من ايران.
الا انّ الغارات "الاسرائيلية" على صنعاء، كما الاميركية والبريطانية المكثّفة لم تُثنِ"الحوثيّين" عن مواصلة دكّ عمق الكيان بالصواريخ الباليستية، بموازاة ضرباتهم ايضا ضدّ السفن والبوارج الاميركية في البحر الأحمر كما الاستمرار بإسقاط "نخبة" الطائرات الاميركية.. منذ ايام، وفي اقلّ من 72 ساعة، اسقط الحوثيّون طائرتَين من نوع "ام كيو 9 " في اجواء محافظة مأرب، ليصبح العدد 14 طائرة حتى الان اسقطتها الحركة اليمنية خلال معركة "الفتح الموعود" إسنادا لغزّة.. فيما يبدو انّ "الحوثيّين" يثأرون من الولايات المتحدة التي زلزلت المنطقة بالحروب وتكسير خرائطها وقيادة عمليات الابادة الجماعية في غزّة بذراعها "الاسرائيلي"، ووضعوا هيبة "اميركا العظمى" هذه على المحكّ امام العالم!
وأمام عجز الثنائي الاميركي-الاسرائيلي عن "ليّ ذراع" حركة انصار الله، ثمّة خيار "خبيث" يكمن بتوريط مصر في مقارعة الحركة اليمنيّة تحت عنوان "إضرارها بالإقتصاد المصري"، وهو ما كشفته بعض التسريبات العبريّة مؤخرا، خصوصا ما صدر على لسان الباحث "الاسرائيلي" يهوشع ميري ليختر، والذي المح الى "استعداد عسكري مصري وشيك ضدّ الحوثيّين بضغط اسرائيلي"، ولفت الى انها معلومات سرّية حصل عليها، وتفيد ايضا ب" انّ الجيش المصري اعدّ نماذج لمدن مشابهة لصنعاء والحديدة في الصحراء الليبيّة، وانه اجرى مناورات جويّة حيال قصفها"!
لكن مصادر مصرية نفت جدّية ما سرّبته "اسرائيل" على السنة البعض، واكدت مرة اخرى على الثوابت المصرية بعدم التدخل العسكري في الخارج، على وقع استمرار نتنياهو بتوعُّد الحركة اليمنية" بمصير حماس وحزب الله ونظام الاسد"- وفق تعبيره، وتهديد وزير حربه بعزم الذهاب نحو استهداف قادتها، في حين توعّدها قائد القوات الجوية تومر بار بدوره، " بهجمات جوية قويّة"، ليبقى
التعويل على تولّي الرئيس دونالد ترامب مهامه "كي تبدأ اسرائيل بضربات مكثّفة على الحوثيين، الذين سيدفعون حينها ثمنا باهظا"- بحسب ما ذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبريّة منذ ايام.. لكن، لحركة "انصار الله"..كلام آخر!
ثمّة اصوات اخرى في الكيان "الاسرائيلي" بدأت تحذّر من عواقب الدخول بمواجهة مباشرة مع "الحوثيين"، ومن حرب استنزاف لهؤلاء قدرة كبيرة على خوضها مع "اسرائيل"، حتى ذهب البعض الى التوقف مليّا عند خلفيّات اعلان قائدهم السيد عبد الملك الحوثي، عن جهوزيّة عشرات الاف اليمنيّين للحرب..
موقع " N12" العبري، وفي تقرير له يوم الاثنين الماضي، ذهب ابعد مما يظنه كثيرون في "اسرائيل"، حيث رجّح "انّ الحوثيّين لن يستمرّوا في ضرب "اسرائيل" بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة فقط، بل ايضا هم يستعدّون لغزو برّي لإسرائيل والهجوم على المفاعل النووي في ديمونا."
ووفق تقرير لمركز المعلومات للإستخبارات والارهاب، فإنّ الحوثيين بدأوا
منذ بداية الحرب، سلسلة من التدريبات العسكرية التي تحاكي هجمات على الاراضي "الاسرائيلية". وتعكس هذه التدريبات نيّة زيادة الاحتكاك المباشر مع "اسرائيل"، ليس فقط بالهجمات الصاروخية، لكن في غزو حقيقي".
والامر لا يقتصر حصرا على خطر "الحوثيين" على "اسرائيل"- وفق محلّلين وخبراء عسكريّين "اسرائيليين"، حذّروا من "النّشوة" المفرطة لدى بنيامين نتنياهو حيال التوغّل في الاراضي السوريّة-التي سارت بسلاسة مطلقة بعد حلّ الجيش السوري وتدمير ترسانته العسكرية.. لكن اصوات ضبّاط "اسرائيليين" ارتفعت مؤخرا لتحذّر من هجمات مفاجئة على القوات الاسرائيلية هناك. ونقلت صحيفة "يديعوت احرونوت" بدورها، عن ضابط في المنطقة الشماليّة تحذيره، من "انّ الأمر مسألة وقت فقط حتى نتلقى صاروخا مفاجئا مضادا للدروع او
قذيفة هاون على قوّاتنا هنا"، قائلا للصحيفة" كل شيء سينقلب الى الاسوأ".
لعلّ الاخير اصاب بتجوّسه من الآتي في سورية.. فما فعلته "اسرائيل" عبر تدمير القدرات العسكرية السورية، يُعيد بالذاكرة الى تفكيك الجيش العراقي إبّان الغزو الاميركي للعراق، ما ترك فراغا امنيّا نشأت من خلاله فصائل مقاوِمة عراقية ضدّ المحتلّ الاميركي تُوّجت بالحشد الشعبي، وقبله في لبنان إثر الاجتياح "الاسرائيلي" عام 1982 ووصول قوات الاحتلال الى العاصمة بيروت، لنتشأ إثره نواة مقاومة هي حزب الله، واللائحة تطول.. في تقرير لافت لموقع "ميدل ايست آي"، فإنّ الفراغ الأمني في سورية عبر حلّ جيشها، سيؤسّس حتما لظهور فصائل مقاوِمة ضدّ القوات الإسرائيلية"، وبالأصل" هل ستقبل التنظيمات المسلّحة على انواعها هناك، بتسليم سلاحها لسلطة الجولاني"؟ ومن يضمن عدم تقاتلها في المدى القريب؟ وهل سيتقبّل الشعب السوري ان يخضع لحكم اسلامي متشدّد وجيش جديد يضمّ هذا العدد من المسلحين الأجانب كالأوزبك والشيشانيين والاتراك وغيرهم؟
لتبقى الأبواب مشرّعة على كلّ الإحتمالات ليس في سورية فقط، بل وفي المنطقة بأسرها خصوصا اذا ما فاجأت اسرائيل، العالم بهجوم كبير مفاجىء على ايران، سيّما انّ كبار قادة المؤسسة العسكريّة "الاسرائيلية" يضغطون باتجاه "شنّ هجوم كبير وواسع على العمق الايراني"-بحسب ما ذكرت وسائل اعلام عبرية، وهو ما تتحسّب له طهران جيدا..
هذا وسط تواتر تسريبات ايرانية المحت الى "انّ عمليّة الوعد الصادق 3 لربما باتت اقرب من اي وقت مضى، وهي ستتجاوز حجم ونوع الصواريخ الباليستيّة التي استُخدمت في عمليّتَي الوعد الصادق 1 و 2 ، مع توسيع اهدافها لتشمل هذه المرّة وبسابقة هي الاولى، اماكن حيوية واستراتيجية حسّاسة - وفق اشارتها.