أقلام الثبات
بعدما نجحت اميركا في حربها على الإسلام والأديان والدول والشعوب عبر "عشرية الربيع العربي"، أخرجت بعض الدول من ساحة التأثير او الوجود، والتي لا زالت تعيش حربا داخلية، وقسّمتها مناطقياً (ليبيا) وعرقياً وطائفياً (السودان) مع تقسيم واقعي لبعض الدول (العراق) تحت عنوان الأقاليم المستقلة المُتساكنة مع الحكم المركزي أو الإنهاك والإضعاف وتقسيم الأمر الواقع (سوريا) بين الدولة المركزية والإقليم الكردي والإقليم الأميركي وتكليف تركيا بإدارة الجماعات التكفيرية لإبقاء سوريا تحت النار.
بعد سقوط مصر بيد اميركا من بوابة اتفاقية "كامب ديفيد" وطرد المستشارين السوفيات، ثم سقوط الأردن باتفاقية "وادي عربا" انتقل الأميركيون الى الخليج، الذي سقط ايضاً من بوابة التطبيع والقواعد العسكرية الأميركية بعد حرب الخليج الأولى والثانية، والعلاقات "الإسرائيلية" - الخليجية، مع التوجه "لإسقاط" الكعبة المشرَّفة ونقلها من "مكة" الى الإمارات، بعد تأسيس "الديانة الإبراهيمية" وبناء "البيت الإبراهيمي" الجديد، مع عوامل مساعدة تتمثل بالجماعات التكفيرية التي شوّهت الإسلام واستنزفت قواه العسكرية والاقتصادية والفكرية والثقافية، بالتلازم مع الانقلاب الثقافي والعقائدي في السعودية الذي يمكن عنونته من مرحله هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الى هيئة "الترفيه"، مع موجباتها ومتطلباتها القانونية والدينية والاجتماعية.
أما شمال افريقيا فبعضه تحالف مع "اسرائيل" والمنظومة الغربية منذ عقود مثل المغرب، فهو ساقط حكماً مع انه يرأس "لجنة القدس"، وتونس الضائعة والمتنقلة من العلمانية الى "الإسلاميين الحدد"، ثم عودتها الى الحكم العلماني، مع ما أفرزته من جماعات تكفيرية، شاركت في الحرب على سوريا خصوصاً والجزائر التي انهكتها "العشرية السوداء" والتي كانت أول ساحة عربية للتجربة التي تخوضها اميركا ميدانيا؛ لاستخدام الجماعات التكفيرية بعد تجربة "الأفغان العرب " في أفغانستان" وبعد نجاحها باستنزاف الجزائر اعتمدت أميركا على الجماعات التكفيرية "المارينز التكفيري" ونقلها لكل دولة تريد تخريبها وإسقاطها.
ماذا بقي من العرب والعالم العربي؟
لم يبق من العرب إلا لبنان وفلسطين، او بعض لبنان وفلسطين في مواجهة المشروع الأميركي او خارج السلطة والقرار الأمريكي، بعدما نجحت اميركا بالثورات الملوّنة من إسقاط أنظمة او اسقاط الشعوب وتحييدها عن قضاياها وقضايا الأمة.
بدأت أميركا تصفية ما تبقى من قوى عربية متمرّدة على التطبيع او الاستسلام او الديانة الإبراهيمية، فشنّت حربها على غزة التي تعرّضت للإبادة العمرانية والبشرية ، وهي على مشارف الإبادة السياسية بالإكراه او بالاختيار مع ما سيلحقها من اغتيال لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، بعد اسقاط الضفة ثانية، بيد الاحتلال الإسرائيلي وبعد النجاح في غزة، انتقلت اميركا الى الساحة اللبنانية ،فشنّت حربها على المقاومة المحصورة بالجغرافيا والعناصر الشيعية مع بعض الوطنيين المنبوذين من طوائفهم وبعد فشلها في القضاء الكلّي على المقاومة عسكرياً وسياسياً، انحازت اميركا الى الحل الوسط "هدنة مؤقتة" يمكن ان تطول لسنوات وفق موازين القوى والمصالح الأميركية، حيث ارتضت اميركا ان تضغط لوقف النار ،لتحقيق المكاسب السياسية داخل لبنان على مستوى منظومة الحكم والسلطة من رئاسة الجمهورية الى الحكومة وكل مفاصل الدولة لتمارس ضغوطها على المقاومة بأذرع واصوات لبنانية بدل الدبابات والصواريخ الإسرائيلية.
نجت "اسرائيل" من حرب الاستنزاف وكذلك المقاومة وأهلها لالتقاط الأنفاس وحفظ الوجود الكريم دون اتفاقية استسلام او سلام ،حيث لن يتركها الاميركيون وسيحاصرونها على ثلاثة محاور :
- المحور "الاسرائيلي" الضاغط عسكرياً وامنياً ومطاردة قيادات وكوادر المقاومة في لبنان وخارجه .
- المحور الداخلي عبر تجميع القوى السياسية والنواب والشخصيات الإعلامية والثقافية ،لشن حرب إعلامية وسياسية على المقاومة.
- المحور الثالث، قطع طرق الإمداد من سوريا عبر الجماعات التكفيرية مع إمكانية تحريك هذه الجماعات داخل لبنان لمشاغلة المقاومة وإرباكها .
يكاد الأميركيون ينجحون في مشروع الغاء ومحو العالم العربي من الخارطة السياسية الدولية عبر التطبيع او التدجين او التغيير مع ابقاء الكيانات الرسمية "إسمياً" من الدول او الجامعة العربية او مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الاسماء التي تحتاجها اميركا بعض المرات.
أمام هذا المشروع الأميركي، فإن مسؤولية المقاومة في لبنان خصوصاً، حفظ نفسها لتبقى "خميرة" الفكر المقاوم لإعادة تكوين المشروع المقاوم في العالم العربي خلال العقود القادمة، وعدم الانفعال الميداني الذي يمكن ان يحاصرها أكثر ويسهّل عملية "اجتثاثها" وفق المخطط الأميركي - "الإسرائيلي" .
إن مسؤولي المقاومة في لبنان وواجبهم وتكليفهم اعتماد الحكمة والموضوعية والعقلانية ،لحفظ المقاومة وأهلها وحفظ ما تبقى من القضية الفلسطينية ومن حركة التحرر العربي ، لأنه إذا سقطت المقاومة في لبنان، فلن تبقى أي ساحة عربية تستقبل مقاوماً او شاعراً، للإقامة او لعقد مؤتمر صحفي او مؤتمر فكري، وبالتالي يتم اغلاق كل النوافذ للمقاومين وتُهدَم كل المنابر.. نناشد المقاومة ان تحفظ نفسها للأيام السوداء القادمة.