أقلام الثبات
بعد مضي نحو أكثر من شهرين على الحرب الصهيونية الشاملة على لبنان، والتي استغرق التحضير والاستعداد لها طوال 18 عامًا، وسبق هذه الحرب قصف جوي تمهيدي طوال العام الذي سبقها أيضًا. لم يشهد البلد في تاريخه حربًا كهذه، إن لناحية التدمير الواسع النطاق الذي طاول البشر والحجر والمستشفيات ودور العبادة والأماكن التراثية والأثرية، وإن لناحية الاستبسال في الدفاع عن لبنان، وثبات المقاومين في الميدان. وفي الوقائع: ان قلة من الشباب المؤمن والوطني تصدت ليس لأشرس هجومٍ صهيونيٍ بربريٍ شهده لبنان فحسب، بل المنطقة بأسرها، فسطّروا ملاحم بطوليةٍ لن ينساها العدو، الذي لم يستطع احتلال قريةٍ لبنانية واحدةٍ بعد مضي نحو شهرين على هذه الحرب، وكل الاستعدادات التي سبقتها والمذكورة أعلاها. هذا العدو الذي دمّر جيوشًا عربيةً كاملة ً في "نكسة حزيزان 1967". كذلك فقد استطاع جيش العدو وفي هجمةٍ ارتداديةٍ من فتح ثغرة "الدفرسوار"، فعبر إلى الضفة الغربية لقناة السويس، وتمكن من عزل الجيش المصري في حرب العام 1973. وعندما اجتاح جيش العدو لبنان في حزيران من العام 1982، احتل العاصمة بيروت في اليوم السادس من هذا الاجتياح. غير أن الصهاينة الذي يستخفون بلبنان، ويتوهمون ويتبجحون "بأن جيشهم يستطيع احتلال لبنان بفرقةٍ موسيقية"، ها هي "قوات النخبة" في هذا "الجيش"، تلملم قتلاه ومصابيها، وتولي هاربةً في قرى الجنوب اللبناني. وجل ما تحقق "إنجازه" هو أخذ صورة أمام مبنىٍ معيّن في بعض هذه القرى. وليس من المستغرب أبدًا سيطرة قوات العدو المدعومة عسكريًا ولوجتسيًا وسياسيًا من غالبية دول العالم، على قرىٍ حدوديةٍ لوقتٍ معيّن. على اعتبار أن حماية الحدود ليس من اختصاص حركات المقاومة في العالم. فهي عادةً تستدرج العدو إلى كمائن، أو تنقض على مواقعه ودورياته، لإيقاع الإصابات في صفوفه، بالتالي إيلامه ودفعه إلى التراجع والانسحاب، غير أن المقاومة الإسلامية في لبنان تتصدى لقوات الاحتلال في الجنوب، فتؤلمها وتمنعها من التقدم على غالبية محاور القتال في الجنوب. لذا تستغل الأخيرة التنوع الطائفي في قرى الجنوب الحدودية الخالية من وجود المقاومين، وتحاول التقدم عبرها، لتسجيل "إنجازات ميدانيةٍ" وهميةٍ، يستخدمها العدو كـ "أوراق قوةٍ" في المفاوضات الرامية إلى "تسويةٍ" مع لبنان عبر الوسيط الأميركي. ويمكن لهذا العدو أن يتوغل في مساحةٍ جغرافيةٍ في مكان ما من أرض الجنوب، بعد إحراق الأرض، فهذا ليس عملًا بطوليًا، وسلاح الطيران لا يحسم معركة، والحروب تقاس في نهاية المطاف بنتائجها، لا بالخسائر، وهناك فرق كبير بين الخسائر المالية والبشرية، والهزيمة. و لا ريب أن ظروف معركة إسناد غزة تغيرت اليوم، لأن ظروف الحرب على غزة تغيرت راهنًا، بعدما شن العدو حربًا شعواءً على لبنان، ولا ريب أن هذه الظروف بدورها تدفع إلى تبدّل الأولويات لدى المقاومة اللبنانية، فالدفاع عن لبنان أولوية، ومن أولى أولويات واجباتها الوطنية كمقاومة لبنانية، هو الدفاع عن البلد أولًا. ولم يتوان شبابها عن واجبهم الأخلاقي تجاه الغزيين، ولم يبخلوا في تقديم أغلى الأثمان في هذا السبيل.
كذلك فإن الواقع الميداني للحرب على غزة تغيّر أيضًا، بعدما عزلها جيش العدو، فالمعركة داخل الأحياء الغزية، وليس على حدود المدينة، لذا تتطلب هذه المرحلة تغييرًا في أسلوب الإسناد، أي مشاغلة العدو من جبهات أخرى، كجبهة جنوب لبنان، لثنيه عن التقدم في اتجاه غزة، كما كان حال الميدان في الأشهر الأولى التي تلت عملية "طوفان الأقصى". وبعدما تمكّن جيش العدو من احتلال أجزاءٍ من قطاع غزة، نقل حربه الشاملة على لبنان، لذا فإن تغيّر الظروف يحتّم تغيير "التكتيك".
"إسرائيل" نقلت حربها الشاملة إلى لبنان... فتغيرت ظروف "الإسناد" ــ حسان الحسن
الإثنين 25 تشرين الثاني , 2024 10:43 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة