الثبات- إسلاميات
من حفظ الله تعالى يحفظه تعالى من جميع الشرور، وفي الحديث النبوي الشريف يقولﷺ لابن عباس رضي الله عنهما: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك...))، أي: راعي حدود الله تعالى في جميع جوانب الحياة ولا تتعداها، فإن ذلك سبب في انتشالك من المصاعب والمتاعب والمهالك.
ومما لا شك فيه أن وقاية الله أقوى وأمتن من كل التحصينات المادية الحسية، فمن شاء الله تعالى له الحفظَ حفظه ولو كان في قلب المهالك، فترى أن الله تعالى يهيأ لمن راعى حدوده الأسباب ويخرجه بسلام وأمان من كل خوف، فكم أناس خرجوا من تحت ركام ماكان لعقل بشري يتصور أن يخرج أحد من تحته بسلام، وكم أناس أعمى الله قلوب أعدائهم أن يصلوا إليهم وهم أمامهم ولم يلحق بهم أذى، ومثل ذلك حصل مع النبيﷺ وأم جميل.
أم جميل بنت حرب بن أمية زوجة أبي لهب، وأخت أبي سفيان، وصفها الله في القرآن {حمالة الحطب} كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانها وبفعلها، فمن ايذائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانها ما رواه الحاكم، عن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنها قالت: لما نزلت: {تبت يدا أبي لهب وتب} اقبلت العوراء ام جميل بنت حرب ولها وَلْوَلَة، وفي يدها فهر أي:-حجر- وهي تقول عن النبيﷺ: مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبوبكر، فلما رآها أبوبكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، قد أقبلت، وأنا أخاف أن تراك
فقال رسول اللهﷺ: ((إنها لن تراني)). وقرأﷺ قرآنا، فاعتصم به، وهو قوله تعالى:{واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه، ولم ترَ رسول اللهﷺ، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ -وهوﷺأمام أعينها- إني أخبرت أن صاحبك هجاني، والله لو وجدته لضربته بهذا الحجر
فلما انصرفت قال أبوبكر رضي الله عنه: يا رسول الله أما رأتك؟ فقالﷺ: ((ما رأتني لقد أخذ الله بصرها عني))
وفي هذا المعنى قال الإمام البوصيري رحمه الله في البردة:
وقاية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم