أقلام الثبات
تتغنى أخبار الميدان الواردة يومياً وساعة بساعة، ببطولات وشجاعة مجاهدي حزب الله الأسطورية على خط النار والمسافة صفر بوجه العدو "الإسرائيلي" في الجنوب اللبناني، وتتحدث عن الخسائر الفادحة التي يوقعونها في صفوف جنود هذا العدو ومدرعاته وآلياته؛ وتجمعات جيشه وثكناته ومستعمراته، لتخيب، مع كل خبر آت من هناك، آمال ضباع الجيف وأبناء آوى الباحثين عن الفضلات، خصوصاً البعض من متصدري شاشات الإعلام اللبناني؛ ومن مسؤولي الدول الراعية للغزاة الصهاينة، في أميركا ودول الغرب، المتمسكة بحنينها لدورها الاستعماري في بلادنا.
أول من تخيب أخبار البطولات آماله، تلك الأصوات الرخيصة التي انطلقت في لبنان تدعوا المجاهدين للاستسلام وتسليم أسلحتهم، وترفض مجرد فكرة المواجهة ضد العدو "الإسرائيلي"، فهذه الأصوات ليست إلا أبواق الصهيونية في لبنان، فهي تعتبر العدو "الإسرائيلي" جاراً وليس عدواً، وأصحاب تلك الأصوات، التي سبق أن تحالفت مع العدو "الإسرائيلي" في أكثر من مرحلة، مثلها مثل بعض الأنظمة العربية التي نصبها الاستعمار وما زال يحميها من شعوبها، ما تزال تراهن على العدو ليقضي على المقاومة، فتخلو لها الساحة لتقبض الثمن من محور التطبيع، الذي تقوده المملكة السعودية وتابعها مشيخة الإمارات، اللتان، مع من يتبعهما، تمولان الحروب "الإسرائيلية" ضد العرب والمسلمين، بأمر أميركي، وما خوة الخمسمائة مليار دولار، التي دفعتها السعودية لدونالد ترامب، إلا دفعة في حساب تمويل "إسرائيل"، التي حصلت على عشرات مليارات الدولارات من الإدارة الأميركية، دفعة واحدة، بعد عملية طوفان الأقصى المجيدة.
ومن نافل القول، إن بطولات وصمود المجاهدين اللبنانيين، ستفشل المخطط الأميركي لتسليم كامل المنطقة العربية للكيان الصهيوني، باعتباره قاعدة متقدمة للمارينز الأميركي، الذي بينت معارك فلسطين ولبنان والعدوان الأخير على إيران، أن هذا العدو أوهن من بيت العنكبوت بالفعل، ما لم يقاتل الأميركي بجانبه ويحميه بأساطيله، مع باقي الدول الغربية السائرة في ركابه.
لقد تسرع اولئك الخائبون في إظهار فرحهم بإمكانية ضرب المقاومة، فالمقاومة مشروع شعب وروح أمة وتطلعات بلاد إلى الحرية والكرامة والسيادة، وليست مشروع أفراد مهما ارتفعت قيمتهم وعلا دورهم.
كما تسرع الطامعون بممارسة الوصاية على لبنان، خصوصاً عندما ربطوا ذلك برشوة تقديم المساعدات للبنان، مثل الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون. أو وزير خارجية أميركا ورسولها الضابط "الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين.
فهؤلاء وغيرهم يطلقون دعواتهم وشروطهم، فيما العدو "الإسرائيلي" يشن ما يزيد على إحدى عشر ألف غارة جوية على المناطق اللبنانية، حتى الآن.
يتبجح هوكشتاين بالدعوة للسماح للجيش اللبناني بالانتشار في جنوب لبنان، فيما الواقع يكذبه ويكذب كل من يرفع هذا المطلب. فالجيش موجود على الحدود مع قوات "اليونيفيل"، وقصة الشهيد الرائد محمد فرحات تختصر المشهد كله، فالرائد الشهيد سبق أن وقف في وقت سابق، حاملاً سلاحه ومنع جنود العدو من وضع شريط شائك داخل الأرض اللبنانية، وهددهم عبر جنود "اليونيفيل"، فتراجعوا إلى الخلف، ومنذ أيام قام العدو باغتيال فرحات وجنديين من عناصره، خلال قيامهم بمهمة إنسانية في الجنوب.
لكن الوجه الآخر لقصة الشهيد فرحات، هي عجز الجيش اللبناني، المكبل بالوصاية الأميركية، عن القيام بأي رد فعل ثأراً لقتل العدو لفرحات وغيره من جنود وضباط الجيش اللبناني. فهذا الجيش أسير تلك الوصاية من جهة؛ ومن جهة ثانية، هو أسير فساد الحاكمين في لبنان، الذين أفلسوا البلاد وجعلوا الجيش "يشحذ" من الاميركيين وغيرهم، مائة دولار شهرياً لكل جندي من عناصره، كما يتلقى هبات غذائية من هذه الدولة وتلك. والجيش عند بداية العدوان "الإسرائيلي" كان يتمركز على حافة الحدود الجنوبية. وبدلا من المشاركة في التصدي للعدوان، تراجع الى الخلف، في عملية أسمتها قيادته "إعادة توضع"، مما يكذب المطالبين بنشر الجيش في الجنوب.
لكن الأخبث من الجميع، ذلك الذي استغل مؤتمر باريس ليعطي اللبنانيين خريطة سياساتهم وحكم بلادهم. فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، استغل فرصة مؤتمر مساعدة لبنان، ليقول إن مصلحة لبنان أن يكون على الحياد، في استعارة منه لدعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي لحياد لبنان، الذي لاقى ردودا لبنانية قوية، رافضة حياد لبنان في وجه الغزو التوسعي الصهيوني.
الرئيس ماكرون أعطى نفسه صفة الوصي، باعتباره رئيس الدولة التي سبق أن استعمرت لبنان، ليقرر نيابة عن اللبنانيين، أن ما يجري هو صراع الآخرين على أرض لبنان. باعتبار أن لبنان، حسب رايه، غير معني بقضية فلسطين وبالصراع العربي- "الإسرائيلي"؛ ولا حتى بالخطر الذي يتهدد لبنان، بفعل الأطماع الصهيونية التوراتية بأرضه ومياهه وثرواته. كما تجاهل، مثل دعاة الحياد، أن "إسرائيل" تحتل أراض لبنانية منذ العام 1948، وهي لم تتراجع عن أراض إضافية عند انسحاب جيشها من لبنان عام 2000. والدعوة إلى الحياد هنا واعتبار ما يجري هو "حرب الآخرين على أرضنا"، ما هو إلا دعوة للاستسلام للعدو "الإسرائيلي"؛ وهذا لن يحدث أبداً، لأن الكلمة ستكون للميدان، وفي الميدان رجال الله الذين ستكون لهم الكلمة الأخيرة.