أقلام الثبات
مباشرة بعد اغتيال السيد حسن نصر الله، خرج رئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو مهدداً ومتوعداً بأن "اسرائيل" اليوم تتجه لإقامة "شرق أوسط جديد"، وهي عبارة لطالما كان يعاد التذكير بها في كل محطة تاريخية عالمية مفصلية، منذ اندلاع الثورة الاسلامية في إيران عام 1979.
وإقعياً، إن عبارة "مشروع الشرق الأوسط الجديد" تعيدنا بالذكرى الى ما كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس قد قالته في خضم الحرب "الاسرائيلية" على لبنان عام 2006، وهذا المشروع ما هو إلا وصفة لتحقيق هيمنة غربية "اسرائيلية" على المنطقة، تقوم عبر كسر إرادة الشعوب وكسر مقاومتها لمشروع الهيمنة، وحيث تصبح "اسرائيل" دولة قائدة في نظام إقليمي اندماجي يقوم على تفوقها العسكري والاقتصادي والسياحي، ويجعل الدول المحيطة مجرد أتباع أو دول أقل نفوذ وقدرة في ذلك النظام، وهو ليس مشروعاً جديداً، بل تم التعبير عنه مع بداية عقد التسعينات من القرن العشرين.
1- مشروع شيمون بيريز
منذ توقيع اتفاقيات السلام في أوسلو، يطمح "الاسرائيليون" لتشكيل هذا "الشرق الأوسط الجديد"، بما يضمن تفوقهم. وكان الرئيس "الاسرائيلي" السابق شيمون بيريز أصدر كتاباً عنونه "الشرق الاوسط الجديد"، وفيه يضع تصوّره لما سيكون عليه الشرق الأوسط، ويتحدث عن السلام المتصوَّر "اسرائيلياً" في المنطقة.
2- مشروع جورج بوش للشرق الأوسط
بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، أطلقت إدارة بوش سياسة طموحة لصياغة "شرق أوسط جديد"، مع التدخل في العراق كمحرك للتحول. وأوضح مسؤولو إدارة بوش أنهم بصدد إنشاء منطقة جديدة من الديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط، الذي سيصبح منطقة تضم في معظمها دولاً ديمقراطية متحالفة مع الولايات المتحدة. أما الأنظمة التي لا تتعاون فستخضع لمزيج من العقوبات والدعم للحركات الديمقراطية فيها، للإطاحة بالأنظمة القديمة.
وقد لخّصت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس هذه الفكرة في بيان أدلت به أثناء الحرب بين لبنان و"إسرائيل" في صيف عام 200، حيث زعمت أن الضغط على "إسرائيل" لقبول وقف إطلاق النار لن يساعد، لأنه ببساطة سيعيد إرساء الوضع الراهن، ولن يساعد في خلق شرق أوسط جديد.
لكن النتيجة لم تكن كما تصورتها إدارة بوش، فلقد تحوّل العراق الى الفوضى، وزاد نفوذ إيران بشكل كبير في المنطقة، ولم يتم حلّ الصراع العربي - "الاسرائيلي"، ولم تحقق الحرب "الاسرائيلية" على لبنان أهدافها، بل تحوّل حزب الله الى قوة أكبر بعد الحرب الخ..
3- مشروع أوباما للشرق الأوسط
بعد بوش واعتماده على القوة الصلبة المفرطة وفشل مشروعه للشرق الأوسط الجديد، كانت المنطقة على موعد مع تحولات كبيرة وانتفاضات تمّ دعمها أميركياً تحت عنوان "الربيع العربي"، الذي تحوّل الى فوضى عارمة ولم تؤدِ الى تحقيق المشروع الأميركي الطموح بدعم الثورات العربية والاستفادة منها.
لم تحصل ثورة ديمقراطية ناجحة في الشرق الأوسط، وبدلاً من ذلك، أدت الانتفاضات الديمقراطية التي تنادي بها الولايات المتحدة وتدعمها إلى الانقسام الطائفي والفوضى والارهاب، وجذب الارهابيين من كافة أنحاء العالم ليعيثوا فساداً في الشرق الأوسط، وارتكاب المجازر والإبادة بحق شعوبه.
لعل الفشل الأكبر للأميركيين كان في سوريا، حيث كانت سوريا محوّر المشروع الجديد لإدارة أوباما كما كان العراق في استراتيجية جورج بوش.
4- مشروع ترامب للشرق الأوسط:
مع ترامب، لم يعد الأميركيون يتحدثون عن السلام الفلسطيني الاسرائيلي ولم يعد يعنيهم ذلك، بل اندفعت الادارة للقضاء على أي آمال بدولة فلسطينية، والى تطبيق سياسة "الضغوط القصوى" على شعوب ودول المنطقة، لتجويعهم والرضوخ للإرادة الإسرائيلية والغربية. في مقابل ذلك، سار مشروع التطبيع، الذي يعود الى المشروع الأساسي الذي طرحه شيمون بيريز أي قيام نظام إقليمي تكون اسرائيل جزء منه، وبدون إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
5- مشروع بايدن للشرق الأوسط:
لم تعطِ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أي أهمية لمشروع السلام في الشرق الأوسط بل ركّزت اهتمامها على المشاريع الاقتصادية التي تدمج "اسرائيل" بالمنطقة، وعلى استكمال مسار التطبيع عبر السعي لتوقيع اتفاقية تطبيع بين المملكة العربية السعودية و"اسرائيل"، وهي الاتفاقية التي كانت تسير على قدم وساق قبل أن تنفجر المنطقة في 7 تشرين الأول / أكتوبر من عام 2023.
في الخلاصة، لا شكّ أن هناك الكثير من المشاكل الداخلية الطائفية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المنطقة، لكن السياسات الأميركية لها نصيبها أيضاً من تسعير الصراع في الشرق الأوسط، وتحوّله الى الفوضى والحروب الدائمة التي لا تنتهي. فمن استخدام القوة، الى التهديد باستخدامها، الى الفوضى، وتجويع الشعوب عبر العقوبات، وطمس الحقوق الفلسطينية الخ... كلها تجعل من مشاريع "الشرق الأوسط الجديد" الذي يتم الحديث عنه، وصفة لمزيد من الصراع والحروب وبعيد كل البعد عن السلام المنشود القائم على العدالة والحقوق.
التصعيد لتحقيق "الشرق الأوسط الجديد"؟ ــ د. ليلى نقولا
الإثنين 07 تشرين الأول , 2024 12:15 توقيت بيروت
أقلام الثبات

