إيران لا تريد حرباً إقليمية... ولكن!

الجمعة 27 أيلول , 2024 11:57 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي أن طهران مستعدة لاستئناف المفاوضات النووية إذا كانت الأطراف الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على استعداد لذلك. وفي منشور في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، قال وزير الخارجية عباس عراقتشي إن طهران مستعدة لبدء محادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني هذا الأسبوع، إذا أبدى آخرون استعدادهم لذلك.

ومع ذلك، أقر المعتدل المعين حديثًا بأن التوترات الإقليمية المتزايدة تجعل إحياء العملية تحدياً، مضيفاً أنه "إذا كانت الأطراف الأخرى مستعدة، فيمكننا استئناف المفاوضات خلال هذه الرحلة". 

سعي للانفتاح على الغرب 

كلام عراقتشي جاء قبيل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة رفقة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي كان ألقى كلمة أمام الجمعية العامة يوم الثلاثاء الواقع فيه الـ24 من أيلول/سبتمبر 2024. وأكد عراقتشي، في تصريح نقلته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية (إرنا)، الإثنين، أنه سيبقى في نيويورك أياماً أخرى بعد عودة الرئيس وسيجري مزيداً من اللقاءات مع وزراء خارجية مختلف البلدان.

تصريحات عراقتشي أكدت انفتاح إيران على حوار مع الغرب، ورغبتها في تخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة في محاولة لوقف اندفاعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو حرب إقليمية، لا تقف حدودها عند التصعيد مع لبنان، بل تصل إلى المواجهة مع إيران يجر فيها الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة عسكرية إلى هذا البلد بمعزل عن التداعيات على الاستقرار العالمي جيوسياسياً واقتصادياً، وهو ما تحاول الولايات المتحدة، أقله في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، استيعابه ومنع حدوثه. 

عكست تشكيلة الحكومة التي اختارها بزشكيان رغبته في إعادة التواصل مع الغرب، وهذا ما جعله يختار عباس عراقتشي وزيراً للخارجية، ووزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف نائباً للرئيس لهندسة خطط شاملة للانفتاح على الغرب.

وأتت هذه الخطوة بمباركة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي، الذي يُعَدّ راعيا للمحافظين في إيران على حساب الإصلاحيين، ومنهم بزشيكيان، إذ إنه سبق أن أعلن، بعد انتخاب الرئيس الجديد وقبيل تشكيل حكومته، أن "لا ضرر" في التعامل مع "العدو".

هذا الموقف الإيراني لا يعني أن إيران ستتنازل عن دعمها للمقاومة الإسلامية في لبنان والمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، إلا أنه يثبت سعي إيران لعدم التورط في حرب إقليمية كبرى كما يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وانعكس ذلك عبر تصريحات الرئيس الإيراني لمدراء وسائل الإعلام الأميركية، إذ أكد أن إيران تدافع عن غزّة ولبنان إلا أنها لا تريد حرباً إقليمية تسعى "إسرائيل" لجرها إليها، على الرغم من إصراره على عزم إيران على الرد على جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، منتقداً، في الوقت نفسه، "السياسات الأميركية الداعمة لإسرائيل في حربها المفتوحة ضد قطاع غزة ولبنان".

وأكد بزشكيان أن حكومته مستعدّة للحوار مع الإدارة الأميركية وحل تلك الخلافات، بشرط أن يلتزم الجانب الأميركي تعهداته، مقدماً سرداً عن مصير الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن عام 2018، ومشدّداً على أن طهران لا تسعى لامتلاك القنبلة النووية، وأن لا مكانة لها في العقيدة العسكرية الإيرانية.

كل هذه التصريحات والمواقف تثبت أن إيران لا تريد أن تنجرّ إلى حرب إقليمية تتواجه فيها مع الولايات المتحدة والغرب في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في منطقة المشرق العربي. وبنتيجة شعورها بسعي نتنياهو الحثيث لجرها إلى هذه الحرب، كان هنالك رسائل إيرانية غير مباشرة إلى الولايات المتحدة من مغبة التصعيد في المنطقة وأثره السلبي في المصالح الأميركية، وخصوصاً في منطقة الخليج. 

رسائل إيرانية إلى واشنطن 

في هذا الإطار، وفي إطار التعازي باستشهاد القيادي في حزب الله إبراهيم عقيل وعدد من رفاقه في ضربة جوية على منطقة الجاموس في الضاحية الجنوبية لبيروت، كان لافتا بيان تعزية صدر عن "المقاومة الإسلامية في البحرين سرايا الأشتر". وجاء في البيان تبريك باستشهاد عقيل، تأكيداً لـ"موقفنا الثابت في نصرة المستضعَفين ودعم كل الخيارات التي ستتخذها المقاومة ومساندتها في الرد على هذه الجرائم"، وتأكيد "وحدة الصف والموقف والمواجهة ضد محور الشر الصهيوني والأميركي في المنطقة، وأن هذه الجرائم والاعتداءات لن تمر من دون رد". 

اللافت في الأمر ليس فقط أن هذا التنظيم يعلن نفسه للمرة الأولى فصيلاً مقاوماً، أي مسلحاً في البحرين، بل اللافت أيضاً أن هذا الفصيل هو بحريني، وبالتالي هو الأول من نوعه في دولة خليجية عربية تتمركز فيها قاعدة أميركية رئيسة، وتشكل مقراً للقيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأميركي، وهي تشكل القاعدة الأساسية في المنطقة للأنشطة البحرية لدعم عملية الحرية الدائمة، علماً بأن قائد البحرية لمنطقة جنوبي غربي آسيا هو المسؤول عن قاعدة البحرين ومعسكر "ليمونير" في جيبوتي. كذلك، فإن اللافت هو ربط هذا الفصيل بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، مؤكداً أنهما يشكلان "محور الشر الصهيوني الأميركي".

هذا في حد ذاته شكل تحذيراً من جانب محور المقاومة، وعلى رأسه إيران، من أن حرباً إقليمية يسعى لها نتنياهو لن تقف عند حدود المواجهة بين "إسرائيل" من جهة، وفصائل المقاومة وإيران، من جهة أخرى، بل إنها ستشعل المنطقة بما فيها منطقة الخليج، التي لا يقتصر اهتمام الولايات المتحدة بها فقط على أمن قواعدها في الكويت والبحرين وقطر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، بل يتعداه الى أمن مصادر النفط العالمية وتأثير أي صراع إقليمي في أسعار النفط العالمية واحتمال ارتفاعها إلى 300 أو 400 دولار أميركي للبرميل، وهو ما سيكون له آثار كارثية في الدرجة الأولى في الاقتصادات الغربية، وفي قيمة الدولار المرتبط بصورة وثيقة بمبيعات النفط العالمية. 

هل تنجح إيران في تجنب حرب إقليمية؟  

كانت عينة مما يمكن ان تتعرض له القواعد الأميركية في المنطقة تمثلت بتكثيف الهجمات على حقل كونيكو في ريف محافظة دير الزور في شرقي سوريا، والذي تحتله القوات الأميركية، وهو ما دفع الجيش الأميركي إلى إرسال تعزيزات عسكرية برية من قواعده اللاشرعية في محافظة الحسكة إلى قاعدته هناك. 

بعد يوم واحد على تعرضها للهجوم بالقذائف الصاروخية وقذائف الهاون من فصائل من العشائر العربية المدعومة من الحكومة السورية، هبطت طائرة شحن تابعة لـ "التحالف الأميركي" في قاعدة الشدادي جنوبي الحسكة، محمَّلة بمعدات عسكرية ولوجستية، في إطار التعزيزات المستمرة في المنطقة، كما أجرت قوات "التحالف الأمريكي" تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في قاعدة "خراب الجير" في ريف رميلان النفطية شمالي الحسكة، استخدمت خلالها الأسلحة الثقيلة، وضرب أهداف وهمية، بالتزامن مع تحليق الطيران المروحي التابع لـ"التحالف" على علو منخفض.

كل هذا شكّل رسائل من محور المقاومة وعلى رأسه إيران من مغبة دفع نتنياهو الى حرب إقليمية، وخصوصاً على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، في مسعى من إيران لحصر الموقف واحتوائه، فهل تستجيب الولايات المتحدة لهذه الرسائل، وتسعى من جهتها لاحتواء اندفاعة نتنياهو، أم تنجرّ وراءه إلى حرب ستكون عواقبها وخيمة، ليس فقط على إيران ومحور المقاومة، بل في الدرجة الأولى على الكيان الصهيوني، وخصوصاً على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط؟  

 

جمال واكيم ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل