الثبات ـ دولي
رغم كل الانتقادات التي توجّهها إلى الكيان الإسرائيلي، ولا سيما رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، لا تزال تركيا تحاذر اتّخاذ أيّ إجراء عمليّ ضدّ إسرائيل، سواء على الصعيد السياسي أو الديبلوماسي أو حتى التجاري، إذ لا يزال قرار تعليق التجارة مع تل أبيب يواجَه باتهامات من مثل عدم الجدّية والالتفاف عليه عبر طرق أخرى. وكان وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، الذي زار القاهرة في إطار التمهيد لزيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى تركيا في وقت لاحق، قد قَصَد، الأحد الماضي، الجانب المصري من معبر رفح، ووقف شاكياً من «التراجيديا الإنسانية التي تقع على بعد مئات الأمتار من هنا». وقال: «توجد إبادة ولا أدوية ولا طعام ولا ماء. وإخوتنا الفلسطينيون في العراء وفي الجوع. من هنا، أناشد العالم أجمع: إذا لم نوقف معاً هذه المجزرة الوحشية، فستكون الإنسانية شريكة فيها»، مضيفاً: «يجب أن نضاعف ضغطنا على إسرائيل. وعلى الولايات المتحدة أن تخرج من صمتها، وألا تكون شريكة في الإبادة».وفي هذا الإطار، أثارت صحيفة «قرار» من جديد مسألتَين: الأولى، تأخُّر تركيا في تقديم طلب بالمرافعة في شكوى الإبادة ضدّ إسرائيل، والتي قدّمتها جنوب أفريقيا في الـ29 من كانون الأول الماضي؛ والثانية، استمرار التجارة مع كيان العدو. وحتى الآن، قدّمت كل من نيكاراغوا، وكولومبيا، وإسبانيا مرافعاتها أمام المحكمة، فيما برّر إردوغان تأخُّر بلاده، بالقول: «لا نزال نحضّر الوثائق»، علماً أن تركيا قالت قبل ثلاثة أشهر إنها في صدد المرافعة و«نشارف على النهاية». وأكد فيدان، أمس، أن بلاده ستقدّم، يوم غد الأربعاء، طلب الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل أمام "محكمة العدل الدولية".
وكان رئيس «لجنة الشؤون الخارجية» في البرلمان التركي، النائب عن «حزب الشعب الجمهوري»، أوغوز قاآن صالجي، قال إن «الذهنية التي لا تطبّق قرارات المحكمة الدستورية، لا يمكن لها أن تتلاعب أمام العالم في قضية قانونية مثل فلسطين»، لافتاً إلى أن إسبانيا، مثلاً، قدَّمت إلى المحكمة الدولية طلب المرافعة في السادس من حزيران، وسلمت الملف الرسمي في الـ28 منه. ووفقاً لنائب «الشعب الجمهوري» عن إسكي شهر، أوتكو تشاكير أوزير، فإنه «يمكن ألا تكون تركيا بصدد إلحاق الضرر بعلاقاتها مع إسرائيل، وتبرير حزب العدالة والتنمية، التأخّر في تقديم الملف، بحساسية المرحلة وتعقيدها، ليس سوى ذريعة». أمّا النائب عن «حزب الديموقراطية والمساواة للشعب» الكردي، فاروق غرغرلي أوغلو، فرأى أن «العدالة والتنمية لا يزال يجري حساباته حول تأثير تقديم المرافعة على العلاقات مع إسرائيل وأميركا».
منذ الإعلان عن وقف التجارة المباشرة مع إسرائيل، «انفجرت التجارة مع فلسطين»
وبالنسبة إلى المسألة الثانية، كشف الكاتب إبراهيم قهوجي عن معطيات جديدة ومثيرة تتعلّق بالعلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل، وتحايُل المصدّرين الأتراك الذين يواصلون تصدير بضائعهم عبر دول ثالثة. وفي صحيفة «قرار»، عزّز قهوجي كلامه بإحصاءات وبيانات، لافتاً إلى أن «تركيا صدّرت بين السابع من أكتوبر 2023، تاريخ عملية طوفان الأقصى، والثاني من أيار 2024، تاريخ إعلانها الوقف الكامل للتجارة مع إسرائيل، ما مجموعه 2 مليار و622 مليون دولار. والقسم الأعظم من المنتجات المصدَّرة ذهبت دعماً لوجستيّاً لعملية الإبادة في غزة، إذ تضمّنت منتجات المكعبات الخرسانية والأسلاك والبارود والإسمنت والفولاذ». لكن الأمر لم يقف هنا؛ إذ أضاف الكاتب: «ظنَّت الحكومة أنه بمجرّد أن تقول إن التجارة توقّفت، فإن الشعب سيصدقها. لكن الأمر خلاف ذلك». ولعلّ آخر مثال على ما تقدّم، قول دنيز ياووز يلماز عن «حزب العدالة والتنمية»، إن بلادها تصدّر الزجاج المضاد للرصاص عبر اليونان.
وعن حال التجارة التركية بعد شهر أيار، كشف قهوجي أن «متوسط التجارة الشهري مع اليونان، ارتفع بنسبة 35%، من 344 إلى 469 مليون دولار؛ ومع قبرص الشمالية التركية، من 164 إلى 227 مليون دولار». لكن الأكثر إثارة، هو أن التجارة مع «دولة فلسطين» (السلطة الفلسطينية) عرفت الانفجار الأكبر، إذ قال الكاتب إن «متوسط البيع لفلسطين هو من 10 إلى 15 مليون دولار. ومنذ الإعلان عن وقف التجارة المباشرة مع إسرائيل، انفجرت التجارة مع فلسطين». ففي نيسان، بلغ حجم الصادرات إلى «دولة فلسطين، 9 ملايين و360 ألف دولار. وفي شهر أيار، ارتفع فجأةً خمسة أضعاف ونيف، وبلغ 49.5 مليون دولار. وفي حزيران، بلغ 61.4 مليون دولار، ليقفز بسرعة الصاروخ في شهر تموز إلى 119.5 مليون دولار». وفي هذا الجانب، تساءل: «حسناً، ما الذي تغيّر؟»، وأجاب: «تركيا كانت تبيع لفلسطين عادةً الحبوب والخضار. لكن بين شهرَي كانون الثاني وتموز من العام الماضي (2023)، بلغت صادرات تركيا إلى فلسطين من الحبوب والخضار 55.8 مليون دولار، وما تبقى من منتجات أخرى بلغت قسمته 11.2 مليون دولار».
وللتوضيح أكثر، فإن تركيا باعت إلى فلسطين العام الماضي مواد كيميائية بقيمة 2.2 مليون دولار فقط، بينما ارتفع الرقم في السبعة أشهر الأولى من العام الجاري، إلى 33.7 مليون دولار، منها 17.2 خلال تموز الفائت فقط. وفي العام الماضي، كان حجم مبيع الفولاذ إلى فلسطين 413 ألف دولار فقط، وهو يبلغ الآن 16 مليوناً، منها 14.3 مليوناً في شهر تموز فقط. وفي العام الماضي أيضاً، كان حجم بيع المواد المعدنية إلى فلسطين 267 ألف دولار، بينما بلغ حتى هذا الوقت من السنة الحالية 8.5 ملايين دولار. أيضاً، ارتفع حجم مبيعات الزجاج من 141 ألف دولار السنة الماضية، إلى 10.5 ملايين دولار العام الجاري، فيما ارتفعت مبيعات الحديد من 780 ألف دولار العام الماضي، إلى 7.4 ملايين دولار هذا العام». وعليه، تساءل قهوجي: «أيعقل أن دولة فلسطين الفقيرة أصلاً تحتاج إلى هذه القفزة الفجائية في الواردات من تركيا، أم أن تلك صادرات تركية إلى إسرائيل تحت غطاء دولة فلسطين؟ والأمر نفسه ينطبق على ارتفاع التجارة مع اليونان وقبرص التركية. كيف يمكن لتركيا أن تواصل السياسة الخارجية نفسها، ولا تقوم بفعل شيء ضدّ إسرائيل التي تبيد أهلنا في غزة؟».