مقالات مختارة
في ظل ترويج تركي لموعد قريب لعقد اللقاء المنتظر بين الرئيس التركي رجب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، ثم نفي سوري غير مباشر، تلاه تراجع تركيا عن الرواية، شكل الإعلان المفاجئ عن انعقاد قمة استثنائيّة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد تنشيطاً لمخيّلة المحللين والإعلاميين للقول إن القمة جاءت لرغبة روسية بأن تخفض سورية من سقف شروطها المسبقة لعقد اللقاء بين الرئيسين السوري والتركي.
في كلام الرئيس بوتين إشارات هامة لعناوين أخرى لم تلقَ الاهتمام اللازم من المتابعين، فعندما يقول الرئيس بوتين وهو رئيس دولة عظمى نووية تملك جيشاً ضخماً وترسانة سلاح هائلة وأجهزة استخبارات فاعلة يُحسَب لها الحساب، أن هناك أجواء تصعيد في المنطقة وسورية ضمنها، يجب أن يؤخذ هذا الكلام بصفته قرع جرس إنذار من تطوّرات عسكرية دراماتيكية قد تغيّر قواعد الاشتباك التي حكمت المنطقة، وفي قلبها سورية، منذ عقد من الزمن عندما انطلق مسار أستانة. وعندما يكون قطار المصالحة السورية التركية في مسار التقدّم، بغض النظر عن رغبة تركية بالتسريع ورغبة سورية إنضاج الظروف وتهيئة أسباب النجاح، فليس المقصود من كلام الرئيس بوتين عن خطر تصعيد في المنطقة يطال سورية، هو التصعيد التقليديّ للجماعات الإرهابيّة التي يتكفّل التعاون الروسي السوري التركي باحتوائها وتطويقها وإجهاضها.
الأرجح أن قلق روسيا هو من فشل مساعي التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب التي يشنّها كيان الاحتلال على غزة والتي استنهضت جبهات الإسناد في لبنان والعراق واليمن. وفي ظل ما يواجه جيش الاحتلال من تحديات وأزمات وعجز عن تحقيق الإنجاز، ثمّة خشية سورية من مغامرة إسرائيلية نحو سورية، تتمثّل بتوجيه ضربات قد لا تصل الى الحرب الكاملة، ولكنها ليست كتلك الضربات التي استمرّت خلال السنوات الماضية، ولعل هذا التحذير هو العنوان الذي يسمح للرئيس الروسي بتزويد الجيش السوري بأسلحة نوعيّة رادعة تبعد شبح التصعيد، وتوصل لقادة كيان الاحتلال رسالة مفادها أن سورية ليست مسرحاً لتحقيق المكاسب المعنوية والبحث عن صورة نصر تعثّر الوصول إليها في جبهات الحرب الأخرى.
يؤكد الرئيس الروسي رغبته برفع مستوى التعاون الاقتصادي السوري الروسي، الى مستوى ما هو قائم في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية. ويبدو أن ملف الطاقة الذي يشغل بال سورية ويشكل مفتاح الأزمة والحل في الملف الاقتصادي، موضع عناية روسية يمكن لها أن تجد ترجمتها، في حساب ائتماني يتيح تزويد سورية ببعض الفائض النفطي الروسي الضخم، واستيفائه لاحقاً كميات نفط موازية، سواء من حقوق الاستثمار التي حازتها روسيا لحقول النفط والغاز السورية في البحر المتوسط، أو لدى عودة حقول النفط السورية المنهوبة من الأميركيين إلى سيادة الدولة السورية. وسورية تستطيع بمئة ألف برميل يومياً أن تشغل مولدات الكهرباء وأن تؤمن احتياجاتها الرئيسيّة من المشتقات النفطية، وأن تُعيد بالتالي الحياة إلى دورتها الاقتصادية، بصورة متعدّدة التأثيرات على ملفات مثل دخل الدولة ومستوى المعيشة وعودة النازحين واستيعابهم، وصولاً الى إطلاق عملية إعادة الإعمار المنشودة.
تكشف قناة روسيا اليوم نقلاً عن مصادر خاصة أن “الغاية الجوهريّة من اللقاء كانت البحث المعمّق في التطوّرات السياسية والعسكرية الحاصلة في الشرق الأوسط وما تقتضيه من تبادل للآراء حيال التعامل المشترك مع هذه التطورات. كما حمل النقاش توافقاً تاماً بين الأسد وبوتين حيال توصيف المخاطر القائمة من جهة وحيال التوقعات والاحتمالات المقبلة من جهة أخرى”. وتؤكد المصادر أنه “لم يجر بحث موضوع اللقاء المحتمل بين الرئيس الأسد ونظيره التركي رجب أردوغان، ولم يطلب الرئيس بوتين من الأسد اللقاء مع أردوغان، لأن الرئيس الروسي على اطلاع تام مسبق عبر مبعوثه الخاص الكسندر لافرينتيف على موقف الأسد حيال العلاقة مع تركيا والتي يجب أن تنطلق من أسس ومرجعيّات حول الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وكذلك حول مكافحة جميع التنظيمات الإرهابيّة في الشمال السوري”.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً