أقلام الثبات
منذ ان أطلقت الصين مشروعها الاقتصادي العالمي باسم "طريق الحرير" تحرّكت القيادة الصينية بصمت لإعداد حماية سياسية وعسكرية لتأمين مروره في الدول التي ستشترك فيه، وتأمين الجغرافيا الآمنة لطرق مواصلاته، خصوصاً في منطقه الشرق الاوسط الملتهبة منذ 70 عاماً، والتي لا تؤشر المعطيات السياسية إلى أنها ستصل الى دائرة الاستقرار القريب.
احتكر الاميركيون قرار الشرق الأوسط منذ ان طرد الرئيس المصري انور السادات المستشارين السوفيات من مصر وصارت جغرافيا الشرق الاوسط مساحة للسيطرة والوجود الاميركي شبه المطلق بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات العام الماضي، وصارت اميركا فرعون المنطقة واللاعب الاوحد والمقرّر والمخرّب والمصادر للثروات وحاكم الأنظمة ومُجهض الثورات وقاتل الرؤساء..
بعد بدء "الربيع العربي" المشؤوم الذي اشعلته اميركا، عاد الروس الى المنطقة من البوابة السورية، فكانت عقوبتهم ان تم اشغالهم في اوكرانيا، لإجبارهم بعدم التدخل خارج الحدود واشغالهم لحماية أنفسهم واستنزافهم اقتصاديا، لتكرار تجربة أفغانستان التي ساهمت في تفكيك الاتحاد السوفياتي.
استغلالاً للصراع الأميركي - الروسي بالتوازي مع الصراع الايراني ومحور المقاومة مع اميركا، استطاعت الصين النفاذ الى دائرة العمل السياسي في المنطقة، والبدء بتأسيس "طريق الحرير السياسي"، واستطاعت ابرام اتفاق بين قطبيين اقليميين (ايران والسعودية)، وكان هذا اول عمل سياسي صيني ناجح، ولا يزال صامداً، مما شجّع القيادة الصينية على التقدم خطوه اخرى باتجاه قضية الصراع العربي - "الاسرائيلي" والقضية الفلسطينية، وابرام اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" وبقية الفصائل الفلسطينية في ذروة الحرب على غزة وانسداد افاق الحل القريب وعجز الاطراف المتحاربة عن الحسم العسكري، فإذا نجح اتفاق المصالحة تكون الصين قد دخلت الى دائرة الوساطة لإيقافالحرب في منطقة فراغ رئاسي اميركي خلال الاشهر القادمة حتى انتخاب رئيس أميركي جديد.
يعتبر التدخل او المشاركة الصينية السياسية في منطقه الشرق الاوسط اول تدخل منذ الحرب العالمية الثانية، ونقلت الصين من العزلة السياسية والعسكرية، بعدما اصبحت القوة الاقتصادية العظمى، واستعملت منظومة الغزو الاقتصادي الطوعي لتثبيت وجودها العالمي، ثم من بوابة الشرق الأوسط؛ المنطقة الأساسية للنفط والغاز في العالم، او الصراع الاهلي والسياسي المتمثل في القضية الفلسطينية، لكن هذا الدور يستدعي جهوزية عسكرية ضامنة لطريق الحرير الاقتصادي ولطريق الحرير السياسي، لأنهلا يمكن حماية الاقتصاد والسياسة بدون قوه عسكرية.
ان التقدم الصيني والروسي في المنطقه على حساب الاميركيين وكل ما يجنيه هذان الطرفان سيكون على حساب الحصة الأميركية، بالإضافة الى ما قضمته إيران وحلفاؤها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
ان التدخل الصيني دليل اخر على تراجع الدور الاميركي، ومؤشر على تثبيت تعدد الأقطاب على المستوى العالمي، بالتلازم مع بدء انحسار الدور السياسي والاقتصادي لأوروبا، نتيجة التبعية الكاملة لأميركا، والتي اغرقتها باللاجئين، وبالحرب الأوكرانية، وقضت على اقتصادياتها عندما استدرجتها الى العقوبات الاقتصادية والحصار على إيران وسوريا وروسيا، وجعلها تخسر اسواقها الاقتصادية دون تامين بديل لها.
لكن يبقى السؤال الأساس؟
هل ستستسلم اميركا للشراكة الصينية - الروسية معها في المنطقة؟
هل ستبادر اميركا لمشاغلة الصين عسكريا عبر تايوان والهند والأقليات الصينية المسلمة وغيرها من القوميات؟
هل ستسمح اميركا بتنفيذ اتفاقية المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية؛ كما حصل في الاتفاق السعودي - الإيراني؟
هل ستتقدم الصين بعد نجاحها في السعودية وإيران وفلسطين باتجاه العراق مره ثانية، والنفاذ الى سوريا بعنوان الاعمار؟
تتقدم الصين بشق "طريق الحرير السياسي" بالتلازم مع طريق الحرير الاقتصادي، وتخرج من عزلتها، وربما اشتركت مع روسيا لإحياء الوجود الشرقي الحضاري، بعدما سيطرت الحضارة الغربية أكثر من قرن من الزمن؟
سيبدأ الصراع الشرقي - الغربي بديلا عن الصراع الشيوعي - الرأسمالي، مع ابقاء الصراع المذهبي بين المسلمين لأنه مصلحة مشتركة بين الغربيين والشرقيين، لإضعافه، ولأنه القوة الوحيدة التي يمكن ان تهدد مشاريعهم وتوقف شهوتهم للاستباحة العالمية.