لقاء بايدن - نتانياهو.. سيناريو الرحيل الخائب ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 23 تموز , 2024 02:05 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في مقالة بتاريخ 23 يناير كانون الثاني الماضي، وتحت عنوان "قطاع غزة.. مَن يسقط أولاً، بايدن أم نتانياهو؟" ذكرنا مع بداية الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية، أن أعضاءً من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، يشعرون بالاستياء من أداء بايدن، ويطالبونه بوقف التموين والتمويل عن "إسرائيل"، ما لم تعلن حكومتها الانتقال إلى مرحلة "اليوم التالي"، والتخفيف من العنف المفرط بحق المدنيين بأسلحة أميركية، وسط الهجوم الانتخابي من الخصم الشرس دونالد ترامب، حول فلتان الحدود مع المكسيك، والانكماش في بحر الصين، و"السماح" لروسيا بغزو أوكرانيا، وتجرؤ حماس على مهاجمة "إسرائيل"، إضافة الى تشكيك أعضاء من حزب الليكود لصحيفة "جيروزاليم بوست"، أن يفي نتانياهو بوعده بتدمير حماس وإعادة جميع الرهائن.

وشاءت الأقدار الآن أن يرحل بايدن قبل نتانياهو، وجاء إعلان انسحابه من السباق الرئاسي فيما كان بنيامين نتانياهو بالطائرة في طريقه إلى واشنطن. وحول هذه المصادفة، قال المحلل السياسي "يهونتان ليس" في صحيفة هآرتس، إن زيارة نتنياهو لواشنطن تأتي في توقيت دراماتيكي، بظل انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، وعلى خلفية الانتقادات الموجهة من الإدارة الأميركية للحكومة "الإسرائيلية" بكل ما يتعلق بإدارة الحرب على غزة، والمماطلة في قبول صفقة التبادل ومقترح البيت الأبيض لوقف إطلاق النار.

إذاً، حضور نتانياهو إلى واشنطن الآن، لا يعني للرئيس بايدن سوى أن هذا الزائر الثقيل ليس سوى أحد مسبِّبي انسحابه من السباق الرئاسي، ليس لأن اقتراح بايدن لوقف إطلاق النار قد سقط، بل لأن رهائن أميركيين ما زالوا ضمن الأسرى لدى حماس والمقاومة الفلسطينية بسبب مراوغة نتانياهو في المفاوضات، ولعل فشل بايدن في تحريرهم، وإبداء الرأي على الأقل بمسألة  "اليوم التالي" في غزة، من أهم أسباب رحيله الخائب، خاصة أنه حاول عبر وزير خارجيته أنتوني بلينكن فصل مسألة تحرير الرهائن الأميركيين عن مفاوضات ملف الرهائن "الإسرائيليين"، وباءت محاولته بالفشل.

وإذا كان بايدن قد سقط قبل نتانياهو، فإن الخليفة الأميركي المُرتقب سواء كانت نائبة الرئيس كمالا هاريس، أو خصمه اللدود دونالد ترامب، فلن تكون أولويته "إسرائيل" ليُسارع إلى نجدة نتانياهو وإطالة "عمره" في الحكم، لأن العدوان على غزة أنتج تداعيات أصابت من مصالح أميركا مقتلاً، لجهة تعريض قواعدها في الشرق الأوسط للخطر، وعلاقاتها مع الدول العربية النافذة للتوتر، سواء كانت هذه الدول ضمن حلقة التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو كانت على وشك ذلك قبل العدوان على غزة، خصوصاً أن الدبّ الروسي والتنين الصيني قد أخذا مكانهما  ومكانتهما في الشرق الأوسط خلال ولاية بايدن، ولا قدرة لترامب على إزاحتهما وسط التحديات التي تنتظره في أماكن أخرى، من أوكرانيا إلى تايوان الى بحر الصين.

وإذا كان ترامب يدَّعي في حملاته الإنتخابية، أن غيابه عن حكم أميركا خلال السنوات الأربع الماضية، أدى إلى "سماح" بايدن لروسيا بغزو أوكرانيا، وامتلاك حماس جرأة الهجوم على "إسرائيل" في 7 أكتوبر، واستقواء الصين على أميركا في تايوان، وانتفاضة المارد الإيراني الذي كان مفلساً خلال ولايته ورفع بايدن جزئياً العقوبات عنه، فإن كل هذه المآخذ من ترامب على بايدن، لا تُقارن بما تركه له الأخير من وقائع على الأرض في غزة وجبهات الإسناد والبحر الأحمر.

ما هي المعجزات التي قد "يبتكرها" ترامب لحل أزمة البحر الأحمر، ما دامت كل البوارج وحاملات الطائرات قد استقدمها "السلف" بايدن بالتعاون مع بريطانيا، ولم تنفع مع اليمن كل الغارات العدوانية وآخرها الغارة الصهيونية على ميناء الحديدة، وما زال البحر الأحمر وسيبقى الإشارة الحمراء التي تمنع أية سفينة مخالفة من العبور؟ وأية قوة استثنائية يمتلكها ترامب أو سواه من وَرَثة بايدن في البيت الأبيض والحكومة الأميركية، "لتأديب" الشعب اليمني الأصلب من صخر اليمن، الذي لم يعُد لديه ما يخسره بعدما دمّر العدوان الإقليمي/ الدولي على مدى سنوات كل البنى التحتية فيه، ولم يبقَ في اليمن سوى جباله الصخرية وشعبه الذي يُتقن تحويل الإرادة إلى صخر؟

لم يعُد لدى الشعب اليمني ما يخسره، ولا الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية ما يخشى خسارته، وكل سيناريوهات التدمير والتهجير والقتل وخطط "الترانسفير"، فشِلت في تنكيس رأس المقاومة الفلسطينية رغم الأثمان الموجعة في البشر والحجر، ومليوني فلسطيني في قطاع غزة، وخمسة ملايين في الضفة الغربية، لهم الحق في دولة ذات سيادة وهُم في الطريق إليها، وهذه هي المشكلة بل المصيبة الكأداء التي تنتظر ترامب أو أية خليفة آخر لبايدن، أن أميركا سوف تواجه شعوباً وليس دولاً، ومقاومات وليس جيوشاً تقليدية، من اليمن إلى إيران إلى العراق، ووصولاً إلى لبنان وفلسطين، وبات رحيل بايدن وبعده نتانياهو وقدوم ترامب ومعه أي رئيس حكومة للكيان الصهيوني، مجرد تفاصيل لا قيمة لها، لأن السياسة كما البورصة، والحق كما البوصلة، وقد ضُبطت بوصلة الشرق الأوسط نحو القدس، وما على الآخرين سوى ضبط ساعاتهم على توقيت القدس والزمن لن يعود إلى الوراء.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل