نتنياهو وسياسة حافة الهاوية.. أيام صعبة في انتظار "الدولة" العبرية!

الإثنين 22 تموز , 2024 09:16 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

لا يبدو رئيس وزراء "دولة" الاحتلال بنيامين نتنياهو في عجلة من أمره فيما يتعلّق بوقف العمليات القتالية في قطاع غزة، أو فيما يخص تهدئة جبهات المساندة الأخرى التي باتت تشهد تسارعاً في وتيرة العمليات العسكرية ولا سيما في الجبهة الشمالية من فلسطين المحتلة بالإضافة إلى جبهة اليمن المحتدمة، فهو كما بات يعرف الجميع يحاول إطالة أمد العدوان على الشعب الفلسطيني المظلوم إلى أطول فترة ممكنة، بغض النظر عما يمكن أن يلحق بـ "الدولة" العبرية من خسائر على المستويات كافة، وهي التي باتت منبوذة من معظم دول وشعوب العالم، حتى أولئك الذين كانوا ينظرون إليها فيما مضى بعين التقدير والإعجاب.

فالخسائر الإسرائيلية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية لا يبدو أنها تمثّل حتى الآن على أقل تقدير ضاغطاً حقيقياً على نتنياهو لوقف الحرب والعدوان، وهي وعلى الرغم من انعكاساتها وتأثيراتها الكارثية على عموم الأوضاع في الكيان الصهيوني، لم تنجح في إحداث ذلك التحوّل المأمول في موقف رئيس وزراء "دولة" الاحتلال، مع أنّ هذا الموقف بات يتبنّاه ويدعو إليه كل زعماء العالم بمن فيهم الرئيس الأميركي الحليف الأقوى لـ "إسرائيل"، إلى جانب كلّ المؤسسات الأممية والدولية وفي المقدّمة منها مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية، والتي تقترب من إصدار مذكّرات اعتقال بحقّ نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالانت.

يمكن النظر إلى ما يقوم به نتنياهو ولا سيّما بعد العدوان الجوي الغاشم على منشآت مدنية في مدينة الحديدة غربي اليمن بأنه يشبه السير على حافة الهاوية، إذ إنه وبسبب مواقفه المتعنّتة والتي لا يشاركه فيها داخل "دولة" الاحتلال سوى الأحمقين بن غفير وسموتريتش، يغامر بإشعال كلّ المنطقة بشكل لم يسبق له مثيل، وبذهاب الأمور نحو حرب إقليمية مدمّرة لا تُبقي ولا تذر، يمكن أن تترتّب عليها نتائج كارثية قد تحتاج لعشرات السنوات لتدارك آثارها أو معالجة تداعياتها.

صحيح أنّ الجميع يعرف أن نتنياهو يريد الحفاظ على مستقبله السياسي من الضياع، وأنه على يقين بأن انتهاء الحرب في هذا التوقيت بالذات من دون تحقيق أي إنجاز يُذكر، سواء على صعيد تحقيق النصر الحاسم الذي لطالما وعد به أنصاره ومريديه، أو على صعيد استعادة الأسرى من قبضة المقاومة بالوسائل العسكرية كما يكرّر على الدوام، سيكون بمثابة الضربة القاضية التي تودي به إلى السقوط والسجن، إلا أنه لا أحد يمكنه التنبّؤ بما بقي في جعبته من حيل وأكاذيب يطيل بها أمد الحرب، ويدافع من خلالها عن وجهة نظره التي باتت مكشوفة ومفضوحة أمام كلّ العالم، حتى بين الإسرائيليين أنفسهم، والذين باتوا يعتقدون بشكل جازم أنه يعمل وفق شعار أنا ومن بعدي الطوفان. 

في العديد من الأدبيات السياسية الإسرائيلية اكتسب بيبي نتنياهو الكثير من الألقاب والصفات، ويبدو أنه معجب كثيراً بها، ويتطلّع على الدوام لسماعها من قِبل مريديه ومعجبيه، وهو ما يحدث بالفعل من أنصاره في أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرّف، ولا سيما من شبيبة حزب الليكود، والذين يطلقون عليه ألقاباً تفيض إعجاباً وانبهاراً، إذ يصفه بعضهم بالساحر والملك، فيما يطلق عليه آخرون لقب الداهية، وهؤلاء المريدون الذين تراجعت أعدادهم مؤخراً يؤمنون به فقط من دون غيره من السياسيين الصهاينة، حتى أولئك الذين ينتمون لحزبه ويشاركونه توجّهه اليميني المتطرّف.

وفي حقيقة الأمر فإن هذا الموضوع لا يتعلّق بشخصية نتنياهو الذي يُتّهم بثلاث قضايا فساد فقط، ولا بالصفات التي يتحلّى بها، أو المهارات التي يتمتّع بالكثير منها، ولا سيما فيما يتعلّق بالمراوغة والتهرّب من الالتزامات والتعهدّات وغيرها، بل بانزياح جزء كبير من المجتمع الصهيوني نحو اليمين المتطرّف من جهة، ونحو الفساد الذي يستشري بسرعة في "الدولة" والمجتمع من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يجعل من يتمتّعون بهذه الصفات أمثال نتنياهو أقرب إلى قلوب الإسرائيليين، ولا سيّما أنّ نتائج الكثير من استطلاعات الرأي خلال السنوات الماضية أشارت إلى أنّ أكثر من 70% من سكّان الكيان العبري يميلون نحو الأفكار اليمينية المتطرّفة، وخصوصاً من فئة الشباب، وإن كان معظمهم لا يملكون عضويات في أحزاب يمينية.

يمكن النظر إلى شخصية نتنياهو من الجانب النفسي بأنه شخصية نرجسية، غير مبالية، أناني وفاسد، ليس لديه أي وازع من ضمير أو أخلاق، ولا يتمتّع بصفات القادة الذين يحترمون شعوبهم، أو يلقون بالاً لمشكلاتهم واحتياجاتهم، بل إنه مستعد كما يحصل الآن للمغامرة بمستقبل شعبه وربما "دولته" من أجل مصالحه الشخصية، وتطلّعاته المستقبلية، تساعده في ذلك زوجة شرهة، وفاسدة، وتملك تأثيراً حقيقياً على الكثير من تصرّفاته وتوجّهاته، بل وعلى الكثير من قراراته الحاسمة.

في هذا الإطار يأتي العدوان الإجرامي على اليمن الشقيق، والذي تباهى به قادة الاحتلال، وتسابق نتنياهو وغالانت على الظفر ببعض ما يعتقدون أنه إنجاز تحقّق لهم من ورائه، وهو الأمر الذي ينسحب أيضاً على توسيع دائرة العدوان على المدنيين الأبرياء في قطاع غزة وجنوب لبنان، إذ يبدو كل ذلك وكأنه يصبّ في الاتجاه نفسه الذي يسعى إليه نتنياهو دون غيره من القادة السياسيين والعسكريين في "إسرائيل"، ومع أنهم جميعاً مجرمون وقتلة، ولا يقيمون وزناً لحياة الآخرين سواء من أعدائهم أو حتى من  مواطني "دولتهم"، الاستهتار بحياة الأسرى في غزة مثال. 

إلا أنّ نتنياهو بما يحوم حوله من شبهات، وما يوجّه إليه من اتهامات، يبدو حريصاً أكثر من غيره على المضي بجملة من الخيارات الصعبة، والتي يعرف تماماً نتيجة فترة حكمه الطويلة بأنها قد تشكّل بداية مرحلة جديدة وحاسمة، لا تستطيع فيها "الدولة" العبرية مهاجمة أعدائها بحريّة كما كان يحدث سابقاً، بل وربما لن تستطيع خلالها الدفاع عن نفسها أمام سيل من الهجمات التي ستأتيها من كلّ مكان، خصوصاً في حال اندلاع معركة متعدّدة الجبهات ببعدها الشامل، وهو البعد الذي حذّر منه قادة سابقون وحاليون في "جيش" الاحتلال، وفي الأجهزة الأمنية والاستخبارية المنوط بها تقديم تصوّرات عملية عن شكل المعركة المقبلة.

صحيح أنّ الكيان الصهيوني يملك مروحة واسعة من الإمكانيات العسكرية والاستخبارية التي لا تتوفّر لأعدائه، إلى جانب تلقّيه المساعدة الموثوقة من جانب حلفائه الغربيين والإقليميين كما حدث بحسب اعتقادي في الهجوم على اليمن، أو كما يحدث في عدوانه المستمر على غزة ولبنان أيضاً، وصحيح أن الكفة العسكرية تميل إليه بشدة في مواجهة أعدائه من جماعات وحتى دول، ولكن وبحسب التجربة التي ما زالت فصولها جارية في قطاع غزة، وعلى مختلف جبهات الإسناد في المنطقة، فإنه لا يملك أي فرصة لتحقيق الانتصار الساحق والحاسم الذي يعد به صباح مساء، كما لا يملك أيّ إمكانية عملانية للقتال على عدة جبهات في وقت واحد، حتى لو جنّد كلّ حلفه الإقليمي الذي يتحدّث عنه نتنياهو وغيره من قادة الاحتلال. 

إذ إنّ هذا الحلف لن يكون قادراً على حماية "إسرائيل" كما حدث إبّان الهجوم الإيراني الواسع قبل ثلاثة أشهر تقريباً في حال اندلعت المعركة الكبرى، ولن يملك بعض أطرافه ولا سيما العرب منهم رفاهية الدخول في مواجهة مع محور المقاومة دفاعاً عن الكيان الصهيوني الذي يرتكب المذابح والمجازر ضد إخوانهم الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة المحتلة، لأنهم حينذاك سيضطرون لمواجهة شعوبهم التي باتت تتململ ضجراً من مواقفهم المخزية والفاضحة إزاء ما يجري منذ عشرة شهور في القطاع الصغير والمحاصر.  

في العدوان على اليمن، كما هو الحال في الجرائم المرتكبة في غزة ولبنان، تبدو بصمة نتنياهو واضحة وجليّة، وهي بصمة تكاد تتكرّر في كثير من المواقف في الفترة الأخيرة، فبحسب الصحافة الإسرائيلية تحمل كلّ التعقيدات التي توضع في طريق الوصول إلى وقف إطلاق نار في غزة بصمة نتنياهو، وهو في هذا يتباين مع موقف وزير حربه غالانت ورئيس هيئة أركان "الجيش" هرتسي هاليفي، كما وتحمل كلّ العمليات العدوانية التي تهدف إلى توسيع دائرة النار في المنطقة من دون الوصول طبعاً إلى الحرب الشاملة بصمة نتنياهو، وهو يشبه في هذا الأمر الساحرة التي قرأنا عنها في الأساطير، والتي تركب العصا وتنشر شرورها ومكائدها في كلّ مكان.

ولكن مع كل هذا فليس بالضرورة أن يفلح "الساحر" نتنياهو في كل محاولاته الشرّيرة والمجنونة، فهو وإن نجح خلال عشرة أشهر في تحدّي العالم ومؤسساته الحقوقية والإنسانية وحتى السياسية، والتي لم تقف عند مسئولياتها في حماية المدنيين في غزة بالشكل المطلوب، أو من خلال إجهاض كل المحاولات الداخلية التي سعت إلى إسقاطه وتفكيك ائتلافه المتطرّف والفاشي، إلا أننا يجب ألّا ننسى أنه فشل في صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر في منع الكارثة التي حلّت بـ "إسرائيل" في ظل ولايته، كما يجب ألّا ننسى أنه فشل في التعامل مع تداعياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، إضافة إلى إخفاقه في تحييد جبهات المقاومة التي هبّت لنصرة غزة ومساندتها في وجه العدوان والإرهاب الصهيوني. 

في تاريخ "الدولة" اليهودية يُشار بالبنان إلى دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء ووزير حرب بعد تأسيس "الدولة"، وهو الذي يصفه الكثير من المؤرخين الإسرائيليين بأنه من أعظم القادة التاريخيين لـ "دولة إسرائيل"، فهو الذي وضع نظرية الأمن القومي التي نشأت على مبادئها "الدولة"، وحقّقت من خلالها الكثير من الإنجازات والنجاحات.

ولكن في التاريخ اليهودي أيضاً يتحدّثون وإن بشيء من الأسطورة عن "شمشون الجبّار"، والذي هدم المعبد على رؤوس الجميع، في حالة نتنياهو تبدو فرضية "شمشون الجبّار" أقرب إلى التحقّق من غيرها من الفرضيات، إلا أنّ "شمشون" الحالي لن يهدم المعبد على رؤوس أعدائه، وإنما على رؤوس الإسرائيليين أنفسهم، إذ إنّ كل الشواهد والدلائل تشير إلى أنّ هذا "البيبي" المتأزّم لن يخرج من حياة الصهاينة وعالمهم السياسي إلا وقد دمّر هذه "الدولة" وتركها كومة من الركام.

 هذا الركام الذي يمكن أن نشهد بعضاً منه خلال الفترة الوجيزة المقبلة، ولا سيما إذا استمرّ هذا الجنون الذي تتّسم به الكثير من تصرّفات هذا المجرم، والذي يمكن له أن يشعل الحرائق ليس في ميناء الحديدة وخزّانات النفط فيها فحسب، بل وفي قلب "تل أبيب" وحيفا وباقي مدن الاحتلال أيضاً.    

 

‭‬ أحمد عبد الرحمن ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل