أقلام الثبات
يستمر "الكباش" السياسي الداخلي في لبنان حول توقيت ووجهة انتخاب رئيس للجمهورية، الأمر الذي تأخر إنجازه بما يقارب السنتين، نتيجة التباين القائم بين القوى السياسية المحلية، وتضارب مشاريعها المتقاطعة مع توجهات إقليمية ودولية باتت تتجه نحو الحسم والمواجهات في مواقع وبيئات كثيرة، خصوصاً أن الصراع في منحاه الدولي بات متركزاً حول تثبيت الأحادية القطبية، أو النجاح في كسر الهيمنة الأميركية لصالح تعددية أقطاب، تقاتل قوى اقليمية ودولية عدة للوصول اليها.
ويتقنع الصراع الداخلي اللبناني القائم حالياً خلف التباين بين من يدعو إلى حوار يسبق العملية الانتخابية في مجلس النواب، وبين من يرفض فكرة الحوار بحجج شتى، في ظل عجز كل الكتل الأساسية في مجلس النواب، عن تأمين أكثرية نيابية تكفي لإيصال هذا المرشح أو ذلك إلى كرسي قصر بعبدا، الخالي من شاغله.
وما يعقّد الأمور ويصعبها، ان هناك من يستغل هذا الصراع ليأخذه في منحى ينفذ من خلاله مشاريعاً طالما طالب بها وسعى إليها، مثل التقسيم والفيدرالية والكانتونات، وسط حملات تحريض باتت مكشوفة تحت عناوين عنصرية وشعبوية، تارة تحت شعار "ما فينا نعيش معهم"، وطوراً "ما بيشبهونا"، وأخرى بالرهان على العدو "الإسرائيلي"، أو على الأساطيل الأميركية والغربية لتتدخل بقوة، كما حدث في أعوام 1958 و1982، وفشلت في ترجيح كفة تلك القوى "الانعزالية" والتقسيمية، على غيرها من القوى، التي قاتلت وتقاتل دفاعاً عن وحدة لبنان وعن دوره الطبيعي في درء أخطار الغزوة الصهيونية والغربية، التي احتلت فلسطين وتهدد كل جوارها العربي بالحرب وبالتوسع على حسابه.
كما أن هناك من يستغل هذا الصراع، لابتزاز الآخرين بمواقف وسياسات يريد منها تحقيق مصالح فئوية وشخصية، تبدأ في محاولة احتكار موقع رئاسة الجمهورية لأكثر من دورة؛ ولا تنتهي بمحاولة الرجوع إلى ما قبل "اتفاق الطائف" لجهة الهيمنة والاستئثار والتسلط الفئوي؛ بما يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، بدلا من دفع البلاد خطوات إلى الأمام باتجاه دولة المواطنة، التي تنقذ البلد وشعبه من حكم تحالف زعماء الطوائف واصحاب المصارف، القائم على محاصصة تعتاش من الفساد وتغذيه وتحمي رموزه.
والأخطر في هذا الصراع "الناعم" حتى الساعة، أن بعض جهاته تضع نصب اعينها تحوله إلى صراع خشن ودموي، من خلال رهاناتها على الخارج، مثلما نرى في التحريض الإعلامي والسياسي، إن كان في التحريض ضد المقاومة، أو بالدعوة الصريحة للعدو "الإسرائيلي" لضرب منشآت لبنانية، مثل مطار بيروت، في موازات مطالبة الجهات المحرضة ذاتها، بافتتاح مطارات أخرى في حالات وحامات والقليعات ورياق، على قياس الكانتونات التي تحلم بها.
ويأخذ هذا الصراع السياسي وجهته الحقيقية، في زرع البعض بذور حرب داخلية، عندما نعرف ان أحد اسباب رفض البعض للحوار الداخلي، لحل الخلاف حول انتخاب رئيس للجمهورية، أنه لا يريد حواراً يلتزم فيه الرئيس الجديد، أيا يكن، بأن "إسرائيل" عدوة، وأن مقاومة عدوانها وتوسعها واحتلالها لأراض لبنانية؛ إضافة لأطماعها المعروفة في لبنان وغيره من دول جوار فلسطين، تستدعي وجود مقاومة قوية وجيشاً قوياً يواجهان هذه الأخطار، كما لا يخفي دعوته للخضوع للمشروع "الإسرائيلي"، ويرفض المشاركة اللبنانية في التصدي لعدوانية هذا المشروع وتوسعه واجرامه، تحت شعار "الحياد"، وهذا البعض لا يخفي وصفه بكل بشاعة ووقاحة عمل المقاومة بانه "إرهاب" ينطلق من لبنان، وأن المقاومة هي التي تعتدي على قاعدة العدوان الغربي على بلادنا، المسماة "إسرائيل"، ولذلك يريد رئيساً "حيادياً" في الصراع ضد "إسرائيل"، شكلاً، لكنه ضمناً يريده رأس حربة في المشروع الأميركي – "الإسرائيلي" – السعودي، الذي يعمل على مقاتلة قوى المقاومة في المنطقة، للتخلص منها وتحقيق الأمن "لإسرائيل"؛ وفرض مشروع التطبيع معها على كل البلدان العربية وشعوبها، وهذا الرافض للحوار لا يخفي رهانه على القوة "الإسرائيلية" والأساطيل الغربية، لإيصال "بشير جميل" جديد يجر لبنان إلى مستنقع التطبيع مع العدو، بعدما جرى تجهيز إطار روحي لتهويد كل المنطقة، من خلال اصطناع "الديانة الإبراهيمية" لتكون مظلة لصهينة كل الأديان، في حين أن للشرفاء المقاومين رأي آخر أعلنوه في "طوفان الأقصى"، الذي دب الرعب في قلوب "المتأسرلين" وعقّد مسألة الرئاسة اللبنانية، لتصبح مسألة ثانوية تحتمل التأجيل وحتى النسيان.
رفض الحوار... مشروع حرب ــ عدنان الساحلي
الجمعة 19 تموز , 2024 11:54 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة