الثبات ـ دولي
تراجع التوقعات بفوز أقصى اليمين بأكثرية تخوّله تشكيل حكومة دون الحاجة إلى تحالفات، تزيد المشهد الفرنسي المعقّد أساساً، إرباكاً وضبابية، ففي أخر استطلاعات للرأي قبل فتح صناديق الاقتراع، تراجعت حصة حزب "التجمع الوطني" من الجمعية الوطنية (577 نائباً) إلى بين 200 إلى 240 مقعداً، فيما بقيت التوقعات على حالها بالنسبة لتحالف أحزاب اليسار والخضر، بين 160 و190 نائباً، وارتفعت حصّة حزب الرئيس وحلفائه قليلاً إلى ما بين 120 و140 نائباً (60 إلى 90 سابقاً) وحافظت أحزاب اليمين المحافظ وعلى رأسهم الجمهوريين على نسبة تترواح بين 35 إلى 50 نائباً.
استناداً إلى هذه التوقعات في توزيع مقاعد البرلمان الفرنسي، فإننا سنكون أمام مشهدٍ سياسي مثلث الأضلع مع خيارات مفتوحة على احتمالات متعددة محفوف بعضها بالمخاطر على الاستقرار السياسي لفرنسا.
بارديلا وتشكيل الحكومة
ويفرض الدستور الفرنسي على رئيس الجمهورية أن يستدعي أولاً رئيس أكبر كتلة برلمانية لتكليفه بتشكيل الحكومة، وفي هذه الحالة سيكون التكليف الأول من حصّة جوردان بارديلا، زعيم حزب "التجمع الوطني"، لكن هذا الأخير كان قد أعلن مراراً أنّه لن ينتقل إلى "ماينيون" أو مقرّ رئاسة الحكومة إلا إذا حصل على الأكثرية المطلقة، أي على 289 نائباً، وهو هدف بات مستبعداً جداً مع آخر الإحصائيات، إلا إذا قرر بارديلا تشكيل ائتلاف مع اليمين المحافظ (الجمهوريين) وبهذا يمكن أن يُشكّل حكومة المعايشة مع الرئيس إمانويل ماكرون.
لكن في حال أصر بارديلا على موقفه المبدئي ورفض تكليف تشكيل الحكومة، عندها سيلجأ ماكرون للطلب من المجموعة النيابية الثانية، أي تحالف "اليسار والخضر"، علماً أنّ ماكرون وكافّة القوى في فرنسا ومن بينها قوى اليسار، غير مقتنعة بالقدرة على تشكيل حكومة ائتلافية تضمّ قوىً أُخرى من خارج اليسار، خصوصاً مع بقاء حزب "فرنسا الأبية"، الذي يتعرّض لحملة شيطنة غير مسبوقة، من ضمن هذا التحالف.
يبقى الخيار الثالث أمام ماكرون، تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ الأحزاب التي يصفها الرئيس الفرنسي "بالأحزاب المحافظة على قيم الجمهورية"، أيّ كل القوى ما عدا حزب "التجمع الوطني" وحزب "فرنسا الأبية".
لكن هذا الخيار يحتاج أولاً إلى أن تحصل هذه الأحزاب معاً على أكثرية 289 مقعداً من أصل 577، وأن تتوافق على برنامج موحّد لهذه الحكومة، وهذا الأمر يبدو صعباً جداً، إذ من الصعب جمع "الخضر" الرافضين تماماً لكل خطط ماكرون الخاصة بالطاقة والتي تؤثر بمعظمها سلباً على البيئة.
وما الذي يجمع الحزب الاشتراكي وحزب ماكرون والجمهوريين سوى الهدف المشترك المتمثل في استبعاد أقصى اليمين ويسار حزب فرنسا الأبية عن السلطة؟
الخيار الأخير
يبقى الخيار الأخير الذي جرى الحديث عنه بكثرة خلال الأيام الماضية، بتشكيل حكومة "تكنوقراط" تضمّ شخصياتٍ مقبولة من الجميع، أو على الأقل لا تُشكّل استفزازاً لأحد.
لكن هذا الخيار من شأنه أن يضرب الحد الأدنى من الأساسيات الديمقراطية، كون الذين سيُشاركون في هذه الحكومة، لا يعكسون بأيّ شكلٍ من الأشكال خيارات الشعب الفرنسي الذي توجّه إلى صناديق الاقتراع 3 مرات خلال 4 أسابيع، وفي نهاية المطاف ستقودهم حكومة لم يشاركوا باختيارها.
بكلّ الحالات، يتخوف الفرنسيون من لجوء ماكرون، في حال تعذّر تشكيل حكومة فوراً، إلى الاستعانة بالحكومة الحالية، بعد تقديم استقالتها فور صدور النتائج، كما ينصّ الدستور الفرنسي، كحكومة تصريف أعمال خلال الفترة المقبلة.
ويأتي ذلك بعد تصدّر أقصى اليمين النتائج في الجولة الأولى من الانتخابات، وسعي الأحزاب والقوى الأخرى لقطع الطريق على "التجمع الوطني" وحلفائه للحصول على الأغلبية المطلقة في الجولة الثانية.
يُشار إلى أنّ الرئيس ماكرون حلّ الجمعية الوطنية بموجب المادة 12 من الدستور، ودعا إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة يومي 30 حزيران يونيو و7 تموز/يوليو لاختيار النواب الذين سيشغلون مقاعدها الـ577، وذلك بعد الفوز التاريخي الذي حققه حزب التجمع الوطني اليميني التابع لأقصى اليمين في فرنسا بأكثر من 31% في الانتخابات الأوروبية، التي أجريت في التاسع من حزيران/يونيو 2024.