الثبات ــ إسلاميات
هُناكَ كَثيرٌ مِنَ العُلماءِ فِي زَمانِنا يَخافونَ الخَوضَ فِي مَوضوعِ فِلسطين، مَع أنَّه حَقٌّ شَرعِيٌّ لِكلِّ الفِلسطينيّينَ، فالصّهيونِيّةُ هِيَ الَّتي جاءَتْ مِن بَعيدٍ، واحْتلَّت أَرضَهم، واغتَصبَت مُقدّراتِهم، وقَتّلت أطفالَهُم، ومَعَ هَذا كُلّهِ تَجِدُ رِجالَ الدّينِ يَخافونَ مِن حُكّامِهم المُطبّعينَ مَعَ العَدوّ الصّهيونِيّ، خَوفَاً عَلى مَناصِبِهم ومَكاسِبِهم، عَلى الرُّغمِ مِن هَذا كُلّهِ فَقد تَكلّمَ الشَّيخُ الشَّعراوِيُّ عن فِلسطينَ، تِلكَ الأرضُ المُقدّسَةُ، والَّتي تَخاذَلَ عنْ نُصرَتِها الكَثيرونَ، مُفصّلاً فِي تَفسيرِ آياتِها، ذاكِراً الأسبابَ، ومُعطِياً الحُلولَ، فَقد قَال فِي تَفسيرِ قولِهِ تَعالى: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَٰكُم بِأَمْوَٰلٍۢ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} )الإسراء/6(: "لمْ يَحدُث بَينَنَا وبَينَ الصَّهايِنَةِ حُروبٌ لِعدّةِ قُرونٍ، منذُ عَصرِ الرّسولِ ـــ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ــ إلى أَنْ حَدثَ وَعْدُ بِلفور، الَّذي أَعطى لَهم الحَقَّ فِي قِيامِ دَولَتهِم فِي فِلسطينَ، وكانَتْ الكَرَّةُ لَهم عَلينا فِي عامِ 1967م، فَناسَبَ العطفَ بــ «ثُمَّ» الَّتي تُفيدُ التَّراخي، والحَقُّ سُبحانَهُ يَقولُ: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} )الإسراء/6(، أي: جَعلنَا لِبَني إسرائيلَ الغَلَبَةَ والقوّةَ والنّصرَ عَلى المسلمينَ، وسلّطناهُم عَليهِم؛ لأَنّهُم تَخلّوْا عَن مَنهجِ رَبّهِم، وتَنازَلوا عَنِ الشّروطِ الّتي جَعَلَتْهُم عِباداً للهِ، وقَولُه تَعالى: { وَأَمْدَدْنَٰكُم بِأَمْوَٰلٍۢ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} )الإسراء/6(: فعلاً أمدّهُم اللهُ بالمالِ حتَّى أَصبَحوا أَصحابَ رَأسِ المالِ فِي العالَمِ كُلّهِ، وأَمدّهُم بالبنينَ الَّذينَ يُعلِّمونَهم ويُثقّفونَهم عَلى أعْلى المُستَوياتِ، وفِي كُلِّ المَجالاتِ، ولكنْ هَذا كُلّهُ لا يُعطيهِم القُدرَةَ عَلى أن تَكونَ لَهم كَرَّةٌ عَلى المُسلمينَ، فَهم فِي ذاتِهم ضُعفاءُ، رُغمَ ما فِي أَيديهِم مِنَ المالِ والبنينَ، ولا بُدًّ لَهُم لِكي تَقومَ لَهم قائِمَةٌ مِن مُسانَدَةِ أَنصارِهم وأَتباعِهِم مِن الدّوَلِ الأُخرى"، وهُنا كانَت فِكرةُ التَّطبيعِ العَربي معَ الكيانِ الصَّهيونِيّ، إذ لابدّ من قُوّةٍ اقتصادِيّةٍ تُسانِدُ الاحتلالَ عَلى البّقاءِ والسّيطَرَةِ عَلى فِلسطينَ والمَسجِدِ الأقصى، والّذي تَمنى الشَّيخُ الشَّعراوِيُّ أن يُصلّي فيهِ مُحرَّرَاً مِن رِجسِ الصَّهايِنَةِ بِقولِهِ: "القُدسُ درّةُ الإِسلامِ والمُسلمينَ، ولَيتَني أَستطيعُ فِعلَ شيءٍ مِن أَجلِها، ومَا أَتمناهُ مِنَ اللهِ أَنْ يَمدَّ فِي عُمري لِكي أُصلّي بالمسلمينَ فِي بيتِ المَقدسِ، وهُوَ مُحررٌ مِن أَيدي اليَهودِ الغاصِبينَ فَليسَ عليهِ بِبعيدٍ، والتَّعنّتُ الَّذي تَقومُ بِهِ الحُكومَةُ الصهيونِيّةُ لَيسَ سَليماً، وعلى نتنياهو أَنْ يُعيدَ حِساباتِهِ، وإلّا ازدادَ المَوقِفُ سُوءاً، والقَضيّةُ لَيسَت قَضيّةَ حَربٍ وسَلامٍ، ولكنَّها قَضيّةُ شَعبٍ ضاعَتْ حقوقُهُ، وضَاعَ قُدسُهُ، وتُحاوِلُ أن تُعطينا الحُكومَةُ الصهيونِيّةُ المُتعجرِفَةُ حُقوقَنا الَّتي اغتَصَبوها".
لم يَكتَفِ الشَّيخُ الشَّعراوِيُّ بِعرضِ صورَةِ الاحتلالِ المَبنِيّةِ عَلى الكَذبِ والخِداعِ فَحسب، ولَم يَركُن إلى الخَوفِ كَما هُوَ حَالُ بَعضُ المَشايِخِ المَعروفينَ والمُقرّبينَ مِن بَلاطِ السَّلاطينِ فِي زَمانِنا، بَل أَشارَ بَعدَها إِلى ضَرورَةِ وقوفِ العَرَبِ والمسلمينَ إلى جَانِبِ بَعضِهم البَعضِ؛ لِتحريرِ المَسجدِ الأَقصى، وإِخراجِ اليَهودِ مِن فَلسطين، مُشيراً بِذلِكَ إلى أَنَّ ما أُخِذَ بِقوّةٍ لا يُردُّ باتّفاقيّاتٍ فَضفاضَةٍ، بل بالقوّةِ الَّتي تَكمُنُ في مقاوَمَةِ الاحتِلالِ الصّهيونِيّ، حَيثُ قَالَ: "إنَّها لَنْ تَعيشَ فِي سَلامٍ مادامَت نَهبَتْ حقوقَ الغَيرِ، وإذا لَم تَتفاهَم، لا بُدَّ أَنْ يَجتَمِعَ العَربُ والمُسلمونَ جَميعاً ضِدَّ الصهيونِيَّةِ، ولا بديلَ إلّا لِلقُوّةِ، وإذا كانَت الصهيونيّةُ تُريدُ السَّلامَ لأسرعَت لَهُ، لكنَّها تُفاوِضُ على السَّلامِ من جانِبِها، وتَنقُضُ المَواثيقَ مِن جانِبٍ آخرٍ، فَهيَ تَتَفوّهُ بالسَّلامِ، وتَعتَقِلُ الأخوةَ الفلسطينيّينَ، وتَهدِمُ منازِلَهم فِي الوقْتِ نَفسِهِ، فَضْلاً عَن بِناءِ المُستوطَناتِ".