أقلام الثبات
أن يرعى النظام التركي مجموعاتٍ إرهابية على مدى نحو عقدٍ ونيّفٍ، أي منذ بدء الحرب الكونية على سورية، تلك الحرب التي شاركت فيها دول المحور الغربي وأتباعها من الدول العربية، لإسقاط الدولة في دمشق، ولكن لم يكن لهم ما أرادوا، عندها حاولوا الانتقاص من شرعية الدول السورية، من خلال اتخاذ بعض الإجراءات السياسة ضدها، والاقتصادية في حق الشعب السوري، كالمقاطعة الدبلوماسية، بالتالي محاولة عزل سورية وتجويع شعبها، كذلك أن يستغل نظام أنقرة هذا الظرف، وأن يبقى على غيه، لناحية التمسك بدعم الإرهاب لتقويض الاستقرار السوري، فقد لاقت هذه الممارسات التركية وقتذاك دعمًا دوليًا وعربيًا، أو على الأقل "غض نظر" ، فتلك الجرائم التركية ربما كان اقترافها "مباركًا" من "المجتمع الدولي" في حينه، لكن في المرحلة الراهنة، من البديهي أن يعيد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حساباته حيال سياسته السابقة أي (دعم الإرهاب في الجارة سورية)؛ في ضوء التطورات المستجدة فيها، أبرزها: عودة العلاقات العربية مع سورية، وبدء تفعيل العلاقات الأوروبية وسواها مع دمشق، وبدا جليًا هذا الأمر إثر زيارة وزير الخارجية التشيكية يان ليبافسكي للعاصمة السورية في الأسابيع الفائتة؛ في زيارةٍ هي الأولى من نوعها منذ بدء الحرب على سورية في ربيع العام 2011، كذلك ترددت معلومات عن زيارة قادةٍ أمنيين أوروبيين "للشام" في إطار التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية السورية، وقد تتبع ذلك خطوات انفتاحية أوروبية على سورية، التي ترفض بدورها إقامة أي علاقة أمنية مع أي جهةٍ دوليةٍ، قبل إقامة العلاقة السياسية، أو إعادة تفعيلها.
لا ريب أن هذه اللقاءات الأمنية توحي بقرب موعد بدء إعادة العلاقة الدبلوماسية بين سورية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، ما دامت سورية متمسكةً بشروطها. وهنا لا تستبعد مصادر سياسية سورية "إعادة فتح بعض السفارات الأوروبية وسواها في دمشق، وعودة تبادل التمثيل الدبلوماسي معها، وإن على مستوى القائمين بالأعمال".
أضف إلى ذلك، هناك مستجدات أخرى طرأت على الساحة السورية، قد تدفع "نظام العدالة التنمية" إلى التحرك في اتجاه دمشق، وتحسين العلاقة معها:
أولًا: "الحالة الكردية" في شمال سورية وشرقها، حيث تحاول ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية - قسد" ذات الأمرة الكردية، تعميق الحالة الانفصالية عن الدولة السورية، وآخر ممارسات "قسد" في هذا الصدد، كانت الدعوة إلى إجراء انتخابات محليةٍ في مناطق نفوذها، ثم تأجليها، بضغوطٍ غربيةٍ، بعد الغضب الكبير الذي عبّرت عنه تركيا، مهددةً بالتدخل العسكري إلى تلك المناطق، في حال أقدمت "الميليشيا الكردية" على هذا "الإجراء الانفصالي"، الذي تعتبره أنقرة تهديدًا لأمنها القومي، وتتقاطع مع دمشق على هذه القضية، لذا لا بد من أن تقدم تركيا على اتخاذ الإجراءات الملائمة في سبيل عودة العلاقات الطبيعية مع جارتها سورية، أول هذه الإجراءات وضع جدول زمني لانسحاب الاحتلال التركي من الأراضي السورية.
ثانيًا: أ- أزمة اللاجئين والنازحين: لا ريب أن النظام التركي أخطأ في حساباته، يوم راهن رئيسه رجب الطيب أردوغان أنه "سيصلي في الجامع الأموي في العاصمة السورية في صيف 2011"، ولهذه الغاية فتح حدود بلاده للاجئين السوريين، ظنًا منه أن الدولة السورية آيلة نحو "السقوط"، لكن خاب ظنه وسقط رهانه، وأغرق بلاده "في أزمة لاجئين" انعكست سلبًا على الأوضاع الاقتصادية التركية، وتحوّلت عبئًا على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في تركيا، وأدى ذلك أيضًا إلى تعرض بعض اللاجئين السوريين الموجودين فيها إلى أعمال عنفٍ على يد الأتراك. كذلك أدت هذه "السياسية الأردوغانية" إلى تراجع شعبية حزبه في الاستحقاقات الانتخابية، فلا مناص من التنسيق مع القيادة السورية لحل أزمة اللاجئين.
ب- أزمة النازحين السوريين إلى المناطق الواقعة تحت نفوذ الميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي تحظى برعاية النظام التركي:
وهنا، من المؤكد أن بعض النازحين في تلك المناطق قد ينتقلون بطرق غير شرعيةٍ إلى العمق التركي، فذلك يسهم في ارتفاع عبء اللجوء السوري على الاقتصادي التركي. ناهيك بهروب الإرهابيين في اتجاه الأراضي التركية.
ج- من البديهي ألا مصلحة لتركيا بإبقاء بؤرةٍ إرهابيةٍ يسيطر عليها تنظيم إرهابي مصنّف دوليًا كـ"جبهة النصرة في تنظيم القاعدة" ، على الحدود السورية - التركية، (محافظة إدلب في الشمال السوري)، خصوصًا بعد سقوط "المراهنة الأردوغانية" المذكورة آنفًا. كذلك لا يمكن للنظام التركي الاستمرار في دعم الإرهاب، وسط المتغيرات الواردة أعلاه. كذلك هناك مصلحة اقتصادية تركية بإعادة فتح الحدود مع سورية، بالتالي العودة الى الوضع الذي كان سائدًا قبل بدء الحرب عليها.
رغم كل هذه التطورات والمتغيرات، لا يجوز "الإغراق بالتفاؤل إزاء مسالة تفعيل العلاقة الثنائية بين دمشق وأنقرة، قبل اتخاذ الأخيرة موقفًا واضحًا لجهة إنهاء احتلالها للأراضي السورية، والكف عن دعم الإرهاب، وعدم التدخل نهائيًا في الشؤون الداخلية السورية، كمحاولة تدخل النظام التركي على خط العملية السياسية التي ترمي إلى إنهاء الأزمة في سورية"، بحسب تأكيد مرجع سوري.