إسماعيل هنية القائد السياسي والمفكر الاستراتيجي

السبت 22 حزيران , 2024 09:51 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

كان لي شرف الترحيب بالأستاذ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ضيفاً مميزاً لمنتدى التفكير الاستراتيجي مساء أمس، ليتولى الزميل الصديق الدكتور زياد الحافظ تقديمه، بينما تولّى الرئيس السابق للحكومة العراقية الدكتور عادل عبد المهدي المفكر والمثقف التعقيب على مداخلة الأستاذ هنية والإضافة عليها، وتوالى بعده كل من الأستاذ معن بشور والدكتور حسن نافعة والأستاذ علي مسعود المعشني على الكلام تعقيباً وإضافة وشرحاً، والموضوع يبدأ من القيمة الاستراتيجية لطوفان الأقصى وينتهي باستقراء السيناريوهات الافتراضية لمرحلة ما بعد الطوفان، وآفاق تفكك كيان الاحتلال وزواله، والسيناريوهات المتوقعة للزوال، بين التفكك على نار هادئة بمسلسل ثنائية حرب وهدنة ثم حرب وهدنة، أو سيناريو الحرب الكبرى بمبادرة من محور المقاومة أو من الكيان، وسيناريو الهدنة الاستراتيجية في سياق مسار التفكك والانحلال عبر إقامة دولة فلسطينية كاملة المواصفات والسيادة.
تحدّث القائد السياسي إسماعيل هنية كمفكر استراتيجي ومثقف إسلامي عربي، متناولاً عمل المنتدى واهتماماته مشجعاً هذه المنصة الجامعة للنخب العربية المثقفة التي تتخذ من فلسطين محور جمع لها ومن المقاومة خياراً للنهضة والوحدة والاستقلال والاستقرار وبناء الدولة الوطنية وإنهاض المشروع القوميّ، مقدماً قراءة استراتيجية لعناصر التفوّق والتميّز التي مكّنت المقاومة، وحركة حماس بما تمثل فيها، من صناعة التفوق الاستراتيجي الذي مثله طوفان الأقصى، محدداً ثلاثة عناصر، الأول هو البعد العقائدي الإيماني الذي شكل مصدر اليقين بالنصر، والحافز للصبر، والذي فتح بهم عميق للإسلام كهوية حضارية جامعة تمثل فلسطين قلبها التاريخي ومركز مقدساتها، لتصير فلسطين وحريتها وقضيتها ركناً عقائدياً، أما الثاني فهو التخطيط وبناء المقدرات والرؤى الاستراتيجية للصراع ومكانته الإقليمية والدولية، والإدارة العاقلة والعملية والمبدعة للموارد البشرية والمادية لصناعة موازين القوى اللازمة في الطريق نحو النصر، أما الثالث فهو التحالفات التي شرح هنية أهمية ما يمثله محور المقاومة في قلبها، فاعتبر أن هذه القاعدة الصلبة التي يمثلها محور يضمّ إلى قوى المقاومة في فلسطين، حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن وقوى المقاومة الإسلامية في العراق، اضافة الى سورية وإيران، منح المقاومة في فلسطين عمقاً استراتيجياً، وجبهات إسناد قدمت المكافئ الاستراتيجي لما يحوزه كيان الاحتلال من تحالفات مقابلة، تصطف وتتخندق معه في حروبه وتقدم له الإسناد، متوقفاً أمام معنى أن تقول قوى المقاومة بلغة حاسمة ان لا مجال للتهدئة على جبهاتها الا بعدما تتوقف الحرب الإجرامية على غزة وشعبها.
اقترح هنية على العقول والنخب العربية البحث في ثلاثة ملفات ذات طابع استراتيجي، قائلاً إن المقاومة التي تحيي مبادرة المنتدى للنقاش حول سيناريوهات ما بعد هزيمة الكيان في الطوفان، وفتح أفق البحث بفرضيات تفكك وزوال الكيان، تهتمّ بمواصفات وسمات كل سيناريو أكثر من الدخول بترجيحات حول التوقعات بين السيناريوهات، وهي تتعامل مع كل منها كاحتمال، ويهمها أن تواكب نقاشات النخب العربية الفكرية باستكشاف مواصفات وسمات كل من هذه الفرضيات، أما القضايا المقترحة على جدول أعمال البحث، فهي، أولاً كيف نعمق هذا المشهد العالمي الجديد الذي نهض لنصرة فلسطين، لجعله مشهداً دائماً ثابتاً وتحولاً استراتيجياً في الشارع الغربي وتوجّهات النخب العالمية والشباب والطلاب في المقدّمة منها، وثانياً كيف نستطيع ونحن نراقب هذا التفكك الذي يصيب هياكل الكيان السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والعقائدية، أن نمتلك القدرة على الإسهام في تعميق هذا التأزم، آخذين في الاعتبار أن الطبيعة الخاصة للكيان ووظيفته الاستعمارية باعتباره كياناً استيطانياً تجعل تفككه وتعميم الفوضى في مؤسساته وبناه وهياكله جزءاً محورياً من خطة الإنهاك وصولاً إلى الزوال، وثالثاً، كيف يمكن رسم خريطة طريق لعمل فكريّ وثقافيّ وسياسيّ يفرض الاعتراف بشرعيّة المقاومة كحركة تحرّر وتعبير عن إرادة شعب، وينزع عنها كل محاولات تصنيفها كنوع من الإرهاب، باعتبار الصراع حول المفاهيم هنا محوري وحاسم.
انتقل إسماعيل هنية الى صفة القائد السياسي، ليتحدّث عن الحرب والمفاوضات، فقال إن إجماع حركات المقاومة على جعل المفاوضات الوحيدة للتهدئة في المنطقة هو التفاوض مع المقاومة الفلسطينية، والدفع بالتصعيد في أداء جبهات الإسناد تحت شعار ربط التهدئة عليها بإنهاء العدوان على غزة، يشكّل مع الصمود الأسطوريّ للشعب في غزة، والملاحم البطوليّة لمقاومتها، العوامل الثلاثة التي تجعل مسار التفاوض إلزامياً على الكيان ومن خلفه الإدارة الأميركية، متوقفاً أمام تعرّج مسار ما بعد السادس من أيار الماضي عندما وافقت المقاومة على العرض التفاوضي المصري القطري الذي رعاه الأميركيون ووافقوا عليه، لكنهم صدموا ومعهم الكيان بموافقة المقاومة، التي وجدت أن فيه ما يلبي بنصوص مقبولة سعيها لتثبيت إنهاء الحرب والانسحاب الشامل للاحتلال من قطاع غزة، إضافة الى إعادة الإعمار وعودة النازحين وتبادل الأسرى ركائز أي اتفاق. وقد ترتب على رؤية المقاومة للنصف المليء من الكوب إرباكاً في المعسكر المقابل، فجاءت نصوص مبادرة الرئيس الأميركي محاولة لتعويم اعتراضات الكيان على العرض التفاوضي الذي قبلته المقاومة، لكن مع وجبة من الوعود والاستنتاجات غير المكتوبة، وتعاملت المقاومة مرة أخرى مع النصف المليء من الكوب فرحبت بكلام بايدن، ثم تفاعلت إيجابياً مع نص قرار مجلس الأمن الدولي للاعتبارات ذاتها، وأحبطت كل محاولات محاصرتها وتحميلها مسؤولية إضاعة فرص التوصل الى حل ينهي الحرب ويحقّق تبادل الأسرى، والمقاومة منفتحة على أي صيغة يمكن أن تحقق إنهاء الحرب وتضمن انسحاب قوات الاحتلال بصورة كاملة من قطاع غزة، ولا زالت تتعامل مع المساعي التفاوضيّة على هذه القواعد.
أكد هنيّة في ختام كلمته أن التحوّلات التي فرضها الطوفان غيّرت المنطقة وليس قواعد الصراع في فلسطين بين المقاومة والاحتلال، وان نهوض محور المقاومة لنصرة المقاومة الفلسطينية عظّم هذه التحولات ورفع مستوى تأثيرها. ولأننا لا نزال في قلب الحرب، فالمقاومة تزيد من وتيرة قتالها وثباتها والشعب يزيد من منسوب الصبر والتحمل والصمود، والمسار الأكيد هو أن التداعيات التي نراها في المعسكر المقابل من تفسخ وضعف وتآكل وتناقضات وخسائر وفقدان للروح القتالية، تقول إن ما نعتقده وعداً إلهياً بالنصر، هو أيضاً حصيلة عملية للتضحيات وحسن التخطيط ومصدر الحق الذي تمثله القضية.

 

ناصر قنديل ـ البناء

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل