الاستعصاء الرئاسي يفتح أبواباً مغلقة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 14 حزيران , 2024 11:09 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

"اللبنانيون لا يتعلمون من أخطائهم"، والمسيحيون خصوصاً، أو بالأحرى الموارنة بالتحديد، وليس تخصيص الموارنة إلا لأنهم هم أهل الحكم والسلطة طوال مائة عام مضت، شهدت مساراً انحداراياً لسلطتهم ونفوذهم، لأن جشع زعمائهم وتصارعهم على "جبنة" الحكم والسلطة والوجاهة شكّل مرضاً لم يشفوا منه رغم كل ما أصابهم.
تحديد زعماء الموارنة ليس لأن زعماء بقية الطوائف اللبنانية أفضل حالاً وسلوكاً، بل لأن تصارع زعماء الموارنة ساهم في تآكل دورهم ونفوذهم ووجودهم، فيما كان تصارع زعماء الطوائف الأخرى يرسخ خضوعهم للقيادة المارونية عندما كانت قوية وقادرة على المنح والمنع، وانقلب ذلك عندما ضعف الموارنة، إلى تصارع الطوائف وزعمائها، على من يحصل أكثر مما استحوذه الموارنة من نفوذ وسلطة راجحتين، بقوة حكم الانتداب الفرنسي في مثل هذه الأيام من مائة عام.  
كانت أمام الزعماء الموارنة، لولا تصارعهم على الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية، منذ العام 1926، فرصة لوضع اللبنات الأساسية لوطن طبيعي، يعامل فيه المواطن حسب الكفاءة والجدارة؛ وليس حسب الهوية الطائفية والمذهبية والمناطقية. لكنهم آثروا المصالح الشخصية والطائفية؛ وتعاملوا مع لبنان باعتباره مزرعة وبقرة حلوباً وليس وطناً، فكشف خروج جيش الانتداب الفرنسي من لبنان، عن كون بشارة الخوري ليس بطلاً للاستقلال، كما روج له، بل بطل للفساد، لأنه ترك العنان لشقيقه الذي لقب بـ"السلطان سليم"، ليحول لبنان إلى مزرعة يعيث فيها فساداً ومحسوبيات وفرضاً للنفوذ. وهكذا لاحقت الفضائح المختلفة والزلات السياسية مختلف رؤساء الجمهورية، الذين لم يكن رئيس الحكومة بالنسبة لهم سوى "باش كاتب"؛ وكان مجلس الوزراء مجرد معاونين، وكان رئيس مجلس النواب الحلقة الأضعف في تلك التركيبة، حيث كان يستجدي موقعه استجداء، فكان المنصب يوزع مداورة بين المتزاحمين عليه.
وللتذكير ليس إلا، بما كان رائجاً في حينه؛ أن الراحل كمال جنبلاط كان يرسل لائحة بمطالبه المختلفة، إلى الرئيس الراحل فؤاد شهاب، فكان الأخير هو من يحدد بقلمه ما ينفذ وما لا ينفذ من تلك المطالب.
  وكذلك، جدير التذكير بما حدث لمذكرة وقعها 51 نائباً من أصل 99، أرسلوها إلى الرئيس الراحل سليمان فرنجية، طالبوا فيها بإعادة عشرات من الأساتذة الرسميين طردوا من وظائفهم، لأنهم نفذوا إضراباً طالبوا فيه بتحسين ظروفهم ورواتبهم، فكان الجواب رمي العريضة تلك في سلة المهملات.
كما أن التبعية لم تكن غائبة عن تلك العهود، فكان التصارع الفرنسي – الإنكليزي، سمة المرحلة التي تلت إنشاء "لبنان الكبير". وكان الانقسام الأساسي في البلاد مارونياً بين "دستوري وكتلوي"، أما بقية اللبنانيين فمجرد اتباع لا قيمة لهم ولأحزابهم في حسابات السلطة والحكم، فلا "طلائع" ولا "نجاد" ولا "شيوعي" أو "بعث" في السلطة، حتى كمال جنبلاط وحزبه الاشتراكي كان شبه منبوذ، فيما جرت مطاردة "الحزب القومي السوري" وأعدم زعيمه أنطون سعادة.
وابلغ دليل على أن زعماء الموارنة لم يتعلموا من اخطائهم؛ وما زالوا يتصرفون بعنصرية وفوقية مع بقية اللبنانيين، أن أحدهم سبق ان أعلن انه "مرشح طبيعي" لرئاسة الجمهورية، فيما هو متهم بقتل القسم الأكبر ممن جرى اغتيالهم من القيادات السياسية. وهو خرج بعد 11 عاماً من السجن بعفو سياسي لا بحكم براءة. كما أنه قاد حرباً دموية ضد الجيش اللبناني، شكلت مع "حرب تحرير لبنان من الغرباء"، التي شنها معلمه بشير الجميل، ستاراً للوصول إلى رئاسة الجمهورية، العامل الأساسي في هجرة المسيحيين من لبنان. فكيف يكون "مرشحاً طبيعياً" لرئاسة لبنان، من يدعو لتقسيمه ولإقامة لبنان صغير "من كفرشيما للمدفون"، أو فدرلته وهو البلد الذي لا تبلغ مساحته مساحة محافظة في بلد عربي مجاور، أو في بلد أوروبي، تفصلنا عنه مياه البحر المتوسط. كما لا يبلغ مجموع سكانه عدد قاطني عاصمة من العواصم المعروفة في محيطنا وفي العالم. فيما يتجرأ زعيماً آخر ليقترح بأن يختار الموارنة أولاً رئيس الجمهورية، ثم يستفتى اللبنانيون عليه. وكأن دور بقية اللبنانيين هي "البصم" على ما تقرره زعامات الموارنة.
والأهم، أن كل لبناني ماروني يعتبر نفسه "مرشحاً طبيعياً" لمنصب رئاسة الجمهورية، فيبدأ حملات شيطنة وتخوين ضد كل من يرى فيه خصماً قد يسبقه إلى هذا الموقع، فكيف سيكون الحال، عندما يحمل كل مرشح معه مشروعاً أميركياً أو تمويلاً سعودياً، أو خطة حرب "إسرائيلية".
وهذه اللاعقلانية لدى زعماء الموارنة، دفعت بعض اللبنانيين، لمواجهة التعنت برفض انتخاب الرئيس السابق العماد ميشال عون، إلى القول إن الرئيس الأسبق ميشال سليمان قد يكون آخر رئيس ماروني. وهذا الأمر قد يتكرر في وجه التعنت الماروني برفض انتخاب الزعيم الماروني الزغرتاوي سليمان فرنجية (الحفيد) رئيساً، مما قد يدفع البعض للقول: إذا كانت نسبة المسيحيين في أول إحصاء عند إعلان لبنان الكبير، بلغت 52 في المائة من اللبنانيين، مما أهلهم لتكون رئاسة الجمهورية من نصيبهم، فإن تراجع عددهم إلى حوالى 30 في المائة، منذ سنوات عدة؛ وإلى نسبة 19 في المائة مؤخراً، بفضل مغامرات زعمائهم وفساد النظام برمته، فتجري المطالبة بنزع هذا الموقع منهم، أو جعله مداورة بين الطوائف، أو جعله مع بقية المناصب، منصباً وطنياً لا طائفياً يحصل عليه الأكفأ والأجدر.. فهل يتعظ المعنيون للحفاظ على الوجود المسيحي اللبناني، بشكل حضاري وحديث ومتمدن، بعيداً عن العصبويات المتخلفة، التي تستجلب كل العصبيات والسلفيات العربية المماثلة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل