أقلام الثبات
أدانت "الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا"، يوم الأحد الماضي، استخدام القوة المفرطة من قبل حكومة أحمد الشرع، ضد متظاهرين علويين خرجوا للمطالبة بحقوقهم المشروعة، في اللاذقية وطرطوس وأرياف حمص، محمِّلة إياها مسؤولية خطاب الكراهية والتحريض.
وعبَّرت الإدارة الذاتية "الكردية" في بيانٍ لها، عن قلقها إزاء الأحداث المتصاعدة التي يشهدها الساحل السوري وعدد من مناطق الداخل، وذلك عقب الاحتجاجات السلمية التي خرج فيها السوريون مطالبين بحقوقهم المشروعة في الحرية والكرامة، وداعين إلى بناء سوريا ديمقراطية فدرالية.
هذه اللهجة المُهادِنة التي صدر بها بيان "الإدارة الذاتية"، جاءت كما العلقم الممزوج بالعسل على حكومة أحمد الشرع، التي تحاول مواجهة المكونات السورية على طريقة الاستفراد بكل منها على حدة، وفي الوقت الذي كانت فيه نهاية السنة الحالية موعداُ لاستحقاقات هامة، تبيَّن أن حكومة الشرع لن تجرؤ على مواجهة "قسد" وتطويع الأكراد، ولا الأكراد على عجلة من أمرهم لتطبيق اتفاقية آذار مع دمشق في حال لم تُراعِ هذه الاتفاقية حقوق الأقليات العرقية والدينية في سوريا.
الإدارة الذاتية الكردية أثبتت في بيان إدانتها لما يحصل من اعتداءات على العلويين في الساحل، أنها ما زالت ممسكة بزمام الأمور في الكباش مع دمشق، بل إنها لوَت ذراع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سعى من خلال اتفاقية آذار إلى تفكيك قسد وتوزيع أفرادها على ألوية وزارة الدفاع السورية، لكن القيادة الذاتية الكردية التي نجحت في ليِّ ذراع الشرع أيضاً، أصرَّت على الشراكة في إعادة هيكلة الجيش والانضمام إليه كألوية، بما فيها لواء حماية المرأة، وانتقال الضباط الأكراد إلى الجيش الجديد مع احتفاظهم برُتَبِهم الحالية، إضافة إلى أن اتفاقية آذار تضمنت مجموعة من المبادئ والحقوق الأساسية المتفق عليها بين الجميع، مثل ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية، والتأكيد على ضمان الدولة حقوق المجتمع الكردي في المواطنة والمكاسب الدستورية، إضافة إلى ضمان عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، لكن النقطة الرابعة في الاتفاق تُمثِّل إشكالية لم تٌحلّ حتى الآن ولا يبدو في الأفق القريب طريق إلى تطبيقها.
المادة الرابعة تنص على: "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز"، ولكن بحسب المادة الثامنة والأخيرة من الاتفاق، فإنه كان يُفترض أن "تسعى اللجان التنفيذية إلى تطبيق كامل بنوده بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي"، مع تهديدات تركية بالهجوم على مناطق قسد في حال عدم التزامها بالتطبيق الكامل لهذا الاتفاق قبل نهاية العام، لكن على ما يبدو، وجدت تركيا نفسها تقوم بالهجوم على خلايا لتنظيم داعش داخل الأراضي التركية، بعد أن أطلقت إحداها النار على دورية أمنية تركية في منطقة "يالوفا" قرب إسطنبول صباح يوم الإثنين الماضي، وسقوط قتلى من الطرفين، وادعاء السلطات التركية أن هذه الخلايا كانت بصدد القيام بعمليات إرهابية في الداخل التركي خلال احتفالات أعياد رأس السنة، ومع استمرار القوات الأمنية في المداهمات بعد عملية "يالوفا" اندلعت اشتباكات مع خلايا داعش في عشر مدن تركية لغاية مساء يوم الإثنين نفسه.
وبالعودة إلى الدور التركي في الداخل السوري، ومع امتثال دمشق لشروط قسد بهدف تنفيذ اتفاق آذار، وجدت إدارة أردوغان نفسها عاجزة عن تفكيك قسد عبر دمج أفرادها لا ألويتها ضمن وزارة الدفاع السورية، مع بقاء أمن مناطق الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا تحت سيطرة قسد حصراً، لأن العامل الأميركي الداعم لقسد كحليف في مكافحة الإرهاب، يمنع أنقرة من القيام بمغامرة غير محسوبة ضد مناطق الأكراد، إضافة إلى العامل "الإسرائيلي" الرافض لأي تمدد تركي داخل الأراضي السورية.
كل الجرائم التي ترتكبها سلطة أحمد الشرع بحق المكونات السورية لم تهزّ شعرة في رأس العروبة، لأن سوريا باتت ضمن مشروع العربدة لما يُعرف بالشرق الأوسط الجديد في زمن تمزيق خرائط سايكس-بيكو، لكن المريب على مستوى الداخل السوري، أن الغالبية العربية السنية الشامية، لم تُبدِ لغاية الآن الحرص المطلوب على ما تبقى من الدولة السورية، ربما لأن هيئة تحرير الشام متغلغلة في شوارع وأزقة المدن الكبرى، وشيوخ وأمراء الهيئة هم "الحُكَّام بأمر الله"، وسط فوضى أمنية ضاقت بها صدور السوريين لكنها للأسف ما زالت تتَّسع للصبر البليد الذي يمنعها من "تقليد" العلويين في انتفاضات رفض الظلم.
ورغم تسجيل أحمد الشرع نقاط الانتصارات الوهمية على الأقليات، فهو قد خسر السويداء وكل الجنوب لمصلحة العدو الصهيوني، وخسر الساحل الذي أعلن الطلاق مع دمشق، وخسر الشمال الشرقي الذي عرف الأكراد كيفية حمايته، وبقي للسنة في سوريا الإقليم الداخلي "الحبيس"، ليس لأنه منطقة غير شاطئية، بل لأنه محاط بأقاليم معادية له من الأكراد والعلويين والدروز، وما على أهل بلاد الشام من السنة العرب سوى استدراك مخاطر الهاوية، والاستماع الى الخطاب التحريضي الطائفي المقيت لمستشار الشرع أحمد موفق زيدان، والنزول إلى الشوارع لتسجيل رفضهم على الأقل لما يرتكبه أحمد الشرع باسمهم، وإعلان العصيان المدني المفتوح حتى إسقاط أحمد الشرع في الشارع وإنهاء مشروعه قبل نهاية ما تبقى من سوريا.
الشعب اليمني يدفع ثمن احتدام الصراع السعودي - الإماراتي ــ يونس عودة
وما خُفي أعظم".. هل يكون عام التحوّلات الكبرى"؟! _ ماجدة الحاج
اختطاف "الخطاب السني": كيف وظّف التكفير "الطائفية" لخدمة الأجندة الصهيو-أمريكية؟