"الغارديان": أين غضب بايدن من الأطفال الفلسطينيين مقطوعي الرؤوس؟

السبت 01 حزيران , 2024 09:06 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

صحيفة "الغادريان" البريطانية تنشر مقالاً للكاتبة أروى مهدوي، تشرح فيه كيفية أخذ الموافقة على الإبادة الجماعية، وكيفية تعامل واشنطن والصحافة الأميركية مع خبر الأطفال الفلسطينيين مقطوعي الرؤوس في رفح، مقارنة بكذبة قطع حماس رؤس أطفال إسرائيليين، والتي تم الترويج لها. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

في وقت سابق من هذا الأسبوع، جلست لأكتب مقالاً عن حارس الحرم الجامعي في إحدى الكليات العامة في نيويورك، الذي أخبر المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين أنّه يؤيد الإبادة الجماعية. قال الضابط: "نعم، أنا أؤيد الإبادة الجماعية"، بعدما اتهمه أحد المتظاهرين بذلك في حفل تخرج في كلية ستاتن آيلاند يوم الخميس الماضي. وأضاف: "أنا أؤيد قتلكم جميعاً يا رفاق. ما رأيكم؟".

من المحتمل أنك لم تسمع عن هذه الحادثة، على الرغم من أنها تمت تغطيتها في بعض وسائل الإعلام، بما في ذلك وكالة "أسوشيتد برس"، إلا أنّها لم تحصل على قدر كبير من التغطية الصحافية، ولم يتم نشرها في الصفحة الأولى من صحيفة "نيويورك بوست" بالطريقة التي كان من الممكن أن تكون عليها لو أنّ ذلك الحارس أدلى بالتعليق نفسه حول الإسرائيليين.

ويبدو أنّ صحيفة "نيويورك تايمز"، التي كتبت الكثير عن السلامة في حرم الجامعات، ونشرت مقالاً عن الخطابات المناهضة لـ"إسرائيل" قبل يومين فقط من هذه الحادثة، لا تعتبر أن ما قاله الحارس يستحق النشر.

في النهاية، لم يكن ما قاله الحارس مشكلة كبيرة، إذ كان مجرد حارس أمن يقول إنّه يدعم الإبادة الجماعية.. أليس كذلك؟ لكن ما ينبغي أن يكون واضحاً الآن أنّ هذا هو موقف حكومة الولايات المتحدة من الإبادة الجماعية.

عندما كنت أكتب المقال عن هذه الحادثة، ألقيت نظرة سريعة على منصة "إكس". كانت مليئة بأهوال محرقة الخيام في رفح، حيث قتلت غارة جوية إسرائيلية ما لا يقل عن 45 شخصاً في منطقة كان النازحون الفلسطينيون يلجأون إليها. ولم يكن هذا آخر الأخبار؛ لقد حدث المزيد من القتل في أعقاب المحرقة التي وقعت ليلة الأحد. 

لقد كانت الصور من غزة مؤلمة للغاية، لكن المذبحة في رفح كانت مزعجة بشكل لا يطاق. وردت تقارير عن أطفال مقطوعي الرأس وأطفال متفحمين. لقد أحرق الناس أحياء. كل ذلك بعد أيام فقط من إصدار محكمة العدل الدولية أمراً لـ"إسرائيل" بوقف هجومها العسكري في رفح.

كل ذلك بينما تقدم حكومة الولايات المتحدة العذر تلو العذر لانتهاكات "إسرائيل" الصارخة للقانون الدولي، التي وصفت المذبحة بأنّها مجرد "خطأ مأساوي".

بعد تلك الصور، لم يعد بإمكاني العمل والكتابة. كان اليأس والرعب والغضب ساحقاً للغاية. كان تواطؤي غامراً للغاية؛ معرفة أنّ هذه المذبحة الجماعية يتم تسهيلها وتمويلها من دافعي الضرائب الأميركيين، ومعرفة أنّ جزءاً صغيراً من دخلي من الكتابة يستخدم في هذه المعاناة. هذه الجرائم يتم تمويلها من أموال الأميركيين، فيما المدرسة العامة القريبة مني في فيلادلفيا تفشل، لأنّه لا يوجد ما يكفي من المال للتعليم، والمكتبة القريبة مني تغلق أبوابها أيام الأحد، لأنّه لا يوجد ما يكفي من المال للخدمات العامة، وهناك أشخاص يفلسون في الولايات المتحدة بسبب فواتير العلاج بسبب عدم وجود ما يكفي من المال للاستثمار في الصحة العامة، ولكن هناك دائماً أموال للقنابل.

ما الفائدة من الكتابة عندما أصبح من الواضح الآن أنّه لا توجد خطوط حمر، ولا شيء على الإطلاق سيوقف المذبحة؟ ليس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي وصف الحرب على غزّة بالإبادة الجماعية، ولا المحاكم الدولية التي تطلب من "إسرائيل" التوقف، وبالتأكيد ليست مقالاتي الصغيرة في الرأي.

النقطة المهمة التي يجب أن أذكر نفسي بها باستمرار هي أنّ جميع عمليات الإبادة الجماعية تبدأ بالتجريد من الإنسانية. لقد بنيت هذه الإبادة الجماعية على عقود من شيطنة الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم، وتم أخذ الموافقة العامة على هذا الهجوم على غزة بمساعدة روايات تجردهم من إنسانيتهم و​​​مصممة لضمان عدم تمكن أي شخص من التفكير في فلسطيني واحد كمدني بريء أو حتى إنسان.

ومن بين الأمثلة الأكثر تأجيجاً، تلك الشائعة الكاذبة التي تقول إنّه تم العثور على 40 طفلاً مقطوعي الرؤوس في كيبوتس كفار عزة بعد هجوم حماس. هذه الأخبار الكاذبة، والتي أكد المكتب الصحافي للحكومة الإسرائيلية لصحيفة "لوموند" أنّها غير صحيحة، كانت قوية ومثيرة للمشاعر وانتشرت في كل مكان.

وكرر جو بايدن هذه التقارير التي لم يتم التحقق منها، حتى عندما حثه موظفوه على عدم القيام بذلك، حتى إنه كذّب بشأن رؤية صور هؤلاء الأطفال. الأمر يشبه كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية وخدعة الحاضنة الكويتية. بايدن أرسى الأساس للإبادة الجماعية، لكي ينظر الساسة إلى صور الأطفال الفلسطينيين الذين قطعت رؤوسهم بصواريخ أميركية الصنع، ثم لا يحركون ساكناً.

هذا التجريد من الإنسانية يمارس أيضاً على المتظاهرين في الحرم الجامعي في الولايات المتحدة، إذ يتم تصوير المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين على أنهم بغيضون وخطرون، في حين يتم التقليل من العنف الذي تمارسه الأصوات المؤيدة لـ"إسرائيل"؛ فعندما هاجمت مجموعة من الغوغاء المؤيدين لـ"إسرائيل" المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في جامعة كاليفورنيا، على سبيل المثال، سمحت الشرطة، التي عادة ما تكون حريصة على قمع المتظاهرين، بوقوع الهجوم. ووصفت الصحافة الأميركية الهجوم بأنّه "اشتباكات". 

بالنسبة إلى الحارس الذي يدعم الإبادة الجماعية، فقد قللت الصحافة الأميركية من أهمية تصريحاته. على سبيل المثال، اختارت صحيفة "ذا هيل" العنوان التالي: "كلية نيويورك توقف ضابطاً عن العمل بعد تهديدات محسوسة للمحتجين في الحرم الجامعي". هذه اللغة تقلل من أهمية الحادث. هناك أيضاً خيار واضح بعدم وضع عبارة "أقتلكم جميعاً" في العنوان الرئيسي. وعلى الرغم من وجود مقطع فيديو للضابط وهو يقول هذه التصريحات، فقد حرصت "ذا هيل" على التشكيك في تصريحاته. 

وبالمقارنة مع حالة مماثلة، حين قال متظاهر مؤيد للفلسطينيين في أبريل/نيسان إن "الصهاينة لا يستحقون الحياة"، نشرت صحيفة "ذا هيل" مقالاً بعنوان: "حظرت جامعة كولومبيا زعيم الاحتجاج الطلابي الذي قال إنّ الصهاينة لا يستحقون الحياة". في هذه الحالة، وضعت الصحيفة الاقتباس التحريضي في العنوان. هذه التقارير تساعد في تصنيع الموافقة على الإبادة الجماعية وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. 

لذلك، في حين لا يبدو من المجدي كتابة هذا، فإنّ الهدف هو توضيح أنّ الكثير منا لا يوافقون على ما يتم القيام به بأموال دافعي الضرائب لدينا، وبتشجيع المسؤولين المنتخبين لدينا، وتذكير كل شخص بأنّ صمته تواطؤ.

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل