قرار حل مجلس الحرب في سياسة نتنياهو الهجومية

الأربعاء 29 أيار , 2024 09:18 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

يواصل نتنياهو سياسة الهجوم الاندفاعي من دون كوابح، ليغرق الكيان الإسرائيلي في عشرات الكثبان الرملية، وهو اليوم يخطط تفكيك كابينت الحرب، استباقاً لنفاد ساعة غانتس التي هدد حال نهايتها بالانسحاب من حكومة الطوارئ، والدعوة إلى انتخابات عامة، في حال واصل نتنياهو سياسة الاستفراد بالقرارات المصيرية، وخصوصاً إفشال صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة.

بموازاة حرص نتنياهو على استباق خطوات غانتس التصعيدية، فهو يحرص، وفق المستوى ذاته، على منع دخول حليفيه الثنائي المتطرف؛ سموتريتش وبن غفير، مجلس الحرب، وهو استحقاق ملحّ في حال استقالة غانتس. لذا، فالحل المريح أمام نتنياهو عبر حل مجلس الحرب، على نحو يضمن له مزيداً من التفرد بإدارة الحرب. لكن، هل بوسع نتنياهو المضي في السياسة ذاتها مع نهاية الشهر الثامن للحرب؟

أزمة الحكم في الكيان الإسرائيلي تتشعب وتتعمق، ليس بين حكومة اليمين المتطرف والمعارضة، بشقيها، سواء الداخلة في مجلس الحرب، بزعامة غانتس وآيزنكوت، أو تلك التي رفضت الدخول، بزعامة لابيد، لكن الأزمة تستفحل الآن في داخل حكومة اليمين، على خلفية التصدع في جملة من القضايا الرئيسة، وأهمها:

- عدم انضباط الثنائي سموتريتش/بن غفير، أمام أي تطور يحرص فيه نتنياهو على تمريره من دون جلبة، ومثال ذلك القرار الأخير لمحكمة العدل الدولية بوقف الهجوم على رفح، ومخالفة هذا الثنائي لأوامر نتنياهو بعدم التعليق، أو ما يصدر عنهما من تصريحات حادة ضد الإدارة الأميركية.

- تفرد سموتريتش، كونه وزيراً للمالية، بإعاقة صرف موازنة شراء صناعات عسكرية، نكاية بوزير الحرب غالانت، أو التصعيد بصورة فردية بشأن المقاصة المالية للسلطة الفلسطينية، وهو ما يزعج الإدارة الأميركية.

- إعلان وزير الحرب غالانت عدم قدرة الجيش على إدارة غزة عسكرياً بعد الحرب، والاضطرار إلى تسليمها إلى السلطة الفلسطينية، وهو ما عمّق الشرخ بينه وبين نتنياهو، من جهة، على رغم أنه يمثل تكتلاً قوياً داخل حزب الليكود الحاكم، ومن جهة أخرى دفع الخلاف القائم مع الصهيونية الدينية ليمس جوانب مالية وأمنية وعسكرية تتصل بجوهر إدارة الحرب الراهنة.

- تجنيد الحريديم، فسبق أن حذر غالانت من تهميش هذه القضية المصيرية، في ظل الحاجة الملحة إلى تجنيد مزيد من الجنود، وخصوصاً بعد تسرب أنباء بشأن وجود أكثر من عشرة آلاف جندي معوّق نتيجة الحرب، بخلاف المصابين بأزمات نفسية، والإصابات الحرجة، وآلاف القتلى، مع صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية يُلزم الحكومة بتجنيدهم أسوة بكل الطوائف اليهودية. ويتفق قادة الصهيونية الدينية مع غالانت في هذه القضية، لكن الأزمة هنا مع مكون آخر في الحكومة، وهو تحالف شاس وديجل هاتوراه المتمتع بستة عشر عضو كنيست، وهو القابض على زمام أنفاس الحكومة، بشرط مسبّق ورئيس، وهو عدم تجنيد اليهود الحريديم، بالإضافة إلى تمويل مدارسهم الدينية.

يجد نتنياهو نفسه في مواجهة شاملة مع معظم المكونات الداخلية، وهذا نتاج سياسته الإقصائية، فهو يتعامل في إدارة الحرب كملك نافذ، وخصوصاً أن خلافاته المعتادة مع الجيش والمنظومة الأمنية، آخذه في التصاعد، وليس آخرها ما أصدره من رد عنيف على جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، والذي زعم أنه وجه أربعة تحذيرات إلى الحكومة عام 2023، بشأن استغلال عسكري مفترض من أعداء "إسرائيل" لأزمة التغلب على القضاء.

ثمة أمر حيوي قد يساعد نتنياهو على الاستفادة من حل مجلس الحرب، كون الكيان على أعتاب دخول برلمانه، الكنيست الإسرائيلي، في عطلة فصلية طويلة، الأمر الذي يعزز قدرة نتنياهو على التفرد بإدارة الحرب، ويطلق يده نحو اندفاعات هجومية حادة في أكثر من ميدان، داخلياً وخارجياً، ويكرّسه زعيماً مطلقاً، يمضي على حافة نصر مطلق، لطاما حلم به وتحدث عن خطوة واحدة متبقية لتحقيقه، أو هزيمة كبرى، تأخذ نتنياهو ومعه كل الكيان الإسرائيلي في أتون مخاطر وجودية حقيقية.

يتمتع نتنياهو بثقة ذاتية مفرطة، وهو ما يدفعه نحو خيارات أحادية التخطيط، وهو السياسي المجرد من السجل العسكري، في ظل حرب تتسع جبهاتها، وتأخذ الكيان نحو عزلة عالمية واسعة، سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، مع النزف العسكري اليومي، وكان هو مهدَّداً داخلياً على خلفية لوائح اتهام بالفساد، ليصبح مهدَّداً خارجياً من الجنائية الدولية، مع تعريض كامل شبكة علاقاته للتضرر، سواء مع أميركا أو أوروبا، لكن ذلك يجعله أشد اندفاعاً نحو مزيد من الجنون العسكري، بدلاً من التريث لإعادة التموضع، فالتوقف عنده يعني عودة إلى الخلف، وهو يجاهر صراحة بأنه لن يتوقف مهما كان الثمن، كون الخسارة الشخصية محققة في حال التوقف، وهو ما زال مسلحاً بجملة معطيات تحميه من الانهيار، أهمها:

- نتائج آخر انتخابات نيابية، والفوز الكاسح لليمين المتطرف.

- انسجامه السياسي مع الصهيونية الدينية.

- العطلة النيابية القادمة، للحيلولة دون انتخابات مبكرة طوال عام 2024.

- تناقضات خصومه الواسعة، بما فيها تناقضات تحالفه اليمني، فهو يستغلها للعب الجانبي مع كل طرف، على حدة.

- تصاعد التطرف في المجتمع الإسرائيلي، وهو أهم عامل يغذي نزعاته، على رغم أنه معزول حالياً من جانب الأغلبية العظمى، لكن ذلك على خلفيات تفصيلية تتصل بالقضاء والفساد والاستبداد، بالإضافة إلى عوامل شخصية، مثل بغض ليبرمان له لأسباب غير سياسية.

-خضوع خصومه الأساسيين، وخصوصاً غانتس، لميل المجتمع نحو التطرف، فنتنياهو يدرك أن غانتس يخضع لاستطلاعات الرأي، وهي محصلة دوره كجنرال في مجلس الحرب.

وهنا يحاول نتنياهو تغيير المعادلة الثابتة منذ السابع من أكتوبر، وهي في مصلحة غانتس، عبر إظهار غانتس متواطئاً مع الأميركيين لقبول صفقة لمصلحة حماس، على نحو يمس شعبيته. وتجربة جدعون ساعر قبل شهرين ما زالت ماثلة في الأفق. 

- الخضوع الأميركي - الغربي لمصالح الكيان الإسرائيلي، على المستوى الاستراتيجي، تحت كل الظروف، وهو ما يساعد نتنياهو على المضي في سياسته، على رغم تضرره من الحراك الطلابي في الشارع الأميركي.

- خضوع منظومة التطبيع العربي/الإسلامي للهيمنة الأميركية، على نحو يجعل نتنياهو غير متعجل للتطبيع مع السعودية حالياً، إذا كان ذلك مناقضاً لتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية، وهي أهداف يعترف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، هنغبي، بعدم تحقيق أيّ منها حتى الآن.

- قدرة الكيان العبري على تحمل تبعات الجبهات المشتعلة في غزة والشمال، حتى الآن، على رغم انحناء نتنياهو أمام عاصفة الرد الإيراني، بصورة استثنائية، وعدم قدرته على تحويل المواجهة مع لبنان أو اليمن إلى حالة حرب شاملة، وهو يُبقي الكيان في حقل ألغام. لذا، يجتهد نتنياهو في دفع كيانه نحو مزيد من التحمل، وينجح فيه حتى الآن، لكنه يدرك أن أدنى انعطافة ميدانية حادة، قد تتسبب بمخاطر وجودية، ضمن هذا المعطى.

تبقى فرصة واحدة مفتوحة أمام نتنياهو، في حال فكك مجلس الحرب، وأصبح في مواجهة معارضة واسعة متحدة ضده، وهي التضحية بالصهيونية الدينية، ليس على أرضية شبكة أمان لابيد الموقتة، والتي وعده بها ليدخل صفقة تبادل أسرى، لكن ضمن اتفاق مع المعارضة بضمانة أميركية، يحافظ فيه نتنياهو على مكانته السياسية، وليس على نجاته قضائياً فقط، وهو أمر يصعب تحقيقه، إلا إذا وجدت المعارضة، ومن خلفها الأميركي، انعدام الخيارات، فتضطر إلى ذلك مرغمة، لكن ليس ضمن أفق انتخابي قريب، بل ضمن صفقة غير شرعية للنزول المتدرج عن الشجرة، وهو ما يبقي الساحة حبلى بالمفاجآت التي يتوعد بها الجميع.

 

محمد جرادات ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل