مقالات مختارة
– لا قيمة لكل الكلام الصادر عن قادة كيان الاحتلال من بنيامين نتنياهو الى سائر عصابة القتلة عن خريطة كيانهم التي تمتد من الفرات إلى النيل، والتبشير بها كحلم في طريق التحقيق، طالما أنهم في 25 أيار عام 2000 اضطروا لمغادرة أرض تقع ضمن هذه الخريطة وقد سبق لهم أن احتلوها وبقوا فيها قرابة العقدين، واضطروا تحت نيران المقاومة لمغادرتها دون تفاوض ودون الحصول على اي مكاسب سياسية أو أمنية أو اقتصادية، يمكنهم وضعها في دائرة توسيع نفوذ كيانهم، مثل شعار خسرنا سيناء لكننا ربحنا مصر، أو انسحبنا من سيناء لكننا احتللنا مصر، في توصيف عائدات اتفاقيات كامب ديفيد. وليس أدل على سقوط “إسرائيل” الكبرى من تاريخ 25 أيار عام 2000.
– التأكيد على هذه الوجهة الاستراتيجية الجديدة التي افتتحها 25 أيار 2000 لم يتأخر، وفي عام 2005 اضطر جيش الاحتلال إلى الانسحاب من قطاع غزة، وفي المرّتين دون تفاوض ودون مكاسب ودون اعتراف بالكيان، وتحت ضربات المقاومة والعجز عن دفع فاتورة البقاء من دماء الضباط والجنود والمستوطنين. وهكذا عندما قرّر الانسحاب من غزة فكك مستوطناته منها، معترفاً بأن حدود الأمن تقرّر حدود الاستيطان، وليس العكس، وأن حدود الأمن ترسمها دماء الجنود والمستوطنين، حيث تؤكد المقاومة حضورها، وتبني معادلاتها.
– هذا المولود الجديد الذي اسمه المقاومة العربية، بتشكيلاتها وخلفياتها المتعددة، أربك حسابات المنطقة وتوازناتها، وأدخلها مرحلة جديدة، رغم استخفاف مفردات “سكافة التتبيع” بأهميّته وما يمثل، وبمثل ما كان صعباً على قادة الكيان الاعتراف ببلوغ منحدر الفشل التاريخي غير القابل للترميم، كان مستحيلاً على الرضع الذين تغذوا على حليب التتبيع أن يتنسّموا هواء الاستقلال الوافد على المنطقة. وبمثل ما أنكروا على المقاومة في لبنان وفلسطين عظيم الإنجاز، سارعوا إلى شيطنة المقاومة التي انطلقت في العراق عام 2000، حتى عندما فرضت على الاحتلال الأميركي عام 2011 انسحاباً بلا مكاسب وبلا شروط تنتهك السيادة، راحوا يؤلفون الحكايات لتظهير الأمر اقتداراً أميركياً ضمن استراتيجية جديدة، ولم يتورّع هؤلاء عن تولي مهمة الطعن في الصدر والظهر والخاصرة بظاهرة المقاومة اليمنية التي تجاوزت كل حروب الإلغاء والتهميش والتدمير، حتى حانت لحظة الحضور الكبير فخرجت كمارد من القمقم تتحدّى واشنطن في البحر الأحمر وتعيد صياغة معادلات البحار والممرات المائية والمضائق الملاحية.
– ها نحن نقترب من نهاية الشهر الثامن من حرب تخوضها هذه المقاومات في مواجهة جيش الاحتلال ومن خلفه كل الدعم الأميركي غير المحدود، ويتشكل مربع عربي فلسطيني لبناني عراقي يمني يمثل ضعفاء العرب وأفقرهم يقود شعوباً جائعة وبلاداً مدمّرة، لكنه يكتب تاريخاً عربياً جديداً، ويمدّ يده ليسهم في كتابة التاريخ العالمي الجديد، من بوابة إعادة صياغة المشهد الغربي، والاثنتان عجز عنهم العرب الكبار الأقوياء والأغنياء ودولهم المستقرة، بموازناتهم الضخمة وجيوشهم الوازنة وسلاحهم المتضخم، خلال عقود، والاثنتان هما أولاً فرض القضية الفلسطينية محوراً حاكماً للسياسة الدولية، وثانياً إعادة صياغة موقف الرأي العام الغربي من القضية الفلسطينية، والفشل الرسمي العربي سابق لزمن التطبيع، وسابق لزمن التخلّي عن فلسطين. وعندما كان النظام العربي في قمة اهتمامه بحل القضية الفلسطينية، وفي ذروة رصد الإمكانات والجهود لفرضها على جدول الأعمال العالمي ومخاطبة الرأي العام الغربي، فشل في تحقيق البعض القليل مما حققته هذه المقاومات، دون إمكانات تُذكَر، ومن خلفها دولتان محاصرتان هما إيران وسورية.
– من حق المقاومة وأهل المقاومة، أكثر من الاحتفال في 25 أيار، بل إن من حقهم التباهي بعظيم الفعل والإنجاز، و25 أيار بات ملكاً لكل المقاومة العربية كنقطة انطلاق لمسيرة عابرة للدول والطوائف والأحزاب والمذاهب، تفوّقت بالأخلاق، وتعملقت بالروح، وتعمّدت بالشهداء من القادة.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً