مقالات مختارة
– توزّعت الثعالب الإلكترونية المناوئة للمقاومة والجمهورية الإسلامية على ثلاثة فرق منذ حادثة الطائرة الرئاسية واستشهاد الرئيس السيد إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية الدكتور حسين أمير عبد اللهيان والشخصيات القيادية التي كانت في الطائرة ومرافقيهم، وتخصّصت الفرقة الأولى التي ما لامت “إسرائيل” يوماً على جريمة، بالترويج الاستباقي للتحقيق لفرضيّة قيام الموساد بتوظيف حضوره في أذربيجان للتلاعب بالترددات وإدارة تشويش إلكترونيّ أدى إلى الحادثة. وذلك كما أظهرنا في مقال سابق سعياً لشراء طمأنينة أصحاب هذه الفرقة بإظهار قوة “إسرائيل” بعدما أصيبت ثقتهم وسكينتهم في الصميم مع الرد الإيراني الرادع، وسعياً لإظهار عدم توجيه إيران الاتهام الاستباقي للموساد نوعاً من الضعف والتغاضي عن اعتداء بهذا الحجم على السيادة ورموزها، وكذلك سعياً لإظهار الحادثة كرد إسرائيليّ على الرد الإيراني يرد الاعتبار لقوة الردع الإسرائيلية. وقد قلنا ما يلزم لهؤلاء بانتظار انتهاء التحقيق الإيراني، ولهم وعدنا بأنه إذا ظهر أي دور للموساد أن تكشف إيران ذلك وأن يكون العقاب أعلى وأكبر مما كان الردّ على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وتأكيداً لقوة الردع الإيرانية.
– الفرقة الثانية أخذت تروّج لفرضيّة حرب إيرانية مع أذربيجان وتركيا، على خلفية فرضية الفرقة الأولى ذاتها. وقد قلنا ما يلزم لهؤلاء، حيث عندما تظهر فرضية التخريب والاغتيال من أي جغرافيا كانت، فإن كيان الاحتلال هو مَن سيدفع الثمن، ويتم تنظيف كل الجغرافيا الإسلامية من فلول الموساد.
– الفرقة الثالثة ظهرت مع تراجع منطق الفرقتين الأولى والثانية، ومهمتها طرح أسئلة من نوع: هل يعقل أن تكون دولة لا تضمن تنقل رئيسها بأمان قادرة على خوض مواجهة مع جيوش مجهّزة بأحدث التقنيات، وتدرج في هذا السياق روايات وشهادات غير موجودة أو مجتزأة، للإيحاء بأن إيران تعيش في القرون الوسطى على المستوى التكنولوجي، كمثل الحديث المزوّر الذي ردت عليه إيران أمس، حول أن مَن اكتشف مكان حطام الطائرة كانت الطائرات التركيّة المسيّرة، بينما قال البيان الإيراني إن الطائرات التركية غادرت قبل اكتشاف الحطام الذي كشفت مكانه طائرات إيرانية مزوّدة بتجهيزات خاصة جرى استدعاؤها من مهامها في منطقة المحيط الهندي. وبمعزل عن تلفيق وفبركة الروايات، يبقى أن سقوط الطائرة الرئاسية سببٌ بذاته لطرح السؤال حول مدى تأثير الحادثة على صورة القوة الإيرانية، ومبررٌ لتشكيك يستحق النقاش والشرح.
– جوهر الفكرة هو أن إيران لا تنقصها الأموال ولا الصداقات للحصول على طائرات حديثة لتنقل قادتها، والسوق السوداء مليئة بمثلها، ولدى روسيا والصين الكثير، ولكن الكثيرين لا يستطيعون فهم المشهد الإيراني القائم منذ الإمام الخميني وتأسيس الجمهورية الإسلامية، على الجمع بين ركائز ثقافية وفلسفية نابعة من العقيدة الإسلامية، يؤمن بها القادة وتشكّل مدوّنة سلوك الدولة، وبخلاف السخاء الذي تظهره المؤسسات الإيرانية في تجهيز برامجها الخاصة بقوة الدولة ومؤسساتها، كمثل برنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، او البرنامج النووي الإيراني، فإن ما يتصل بأشخاص الدولة والقياديين منهم خصوصاً، محكوم بفلسفتين يسهر القادة أنفسهم على احترامهما معاً، وهما فلسفة العدالة وفلسفة الموت.
– في فلسفة العدالة أن لا يتمتع القادة بما لا يمكن للشعب التمتع به، وفي مجال الطيران على سبيل المثال يروي الكثيرون ممن رافقوا تجربة الرئيس السيد إبراهيم رئيسي عنه أنّه عندما كان يعزّي عائلات ضحايا حوادث الطيران، الناتجة عن ضعف تجهيز الطائرات بقطع الغيار اللازمة بسبب العقوبات، كان يقول إنه لن يستخدم طائرة لا يستطيع المواطن الإيراني استخدامها، وإن الرئيس ليس أفضل من مواطني بلده، وإنه إذا قبل أن يميّز نفسه بداعي مقام الرئاسة فتلك بداية الفساد، الذي سوف يتسلل تحت هذا العنوان لتتراكم الامتيازات وتشكل من القادة طبقة منفصلة عن الشعب، وهذا انتحار الجمهورية الإسلامية. وأنه بين خسارة قياديّ في حادث طائرة وانتحار للجمهورية لا مجال للمفاضلة.
– بالطبع هذا يعني العناية والاهتمام بالطائرات عموماً، وطائرة الرئيس خصوصاً، دون بلوغ حد التمييز بالموارد، والطبقيّة في القدرة على الاقتناء والتمتع، لكن هذا يطرح سؤالاً على صلة بالمخاطر، والرئيس رمز سياديّ أول، من جهة، وطاقة فعالة في مسيرة الدولة والمجتمع لا يجب التهاون في تعريضها للخطر. من جهة ثانية، وهنا تحضر فلسفة الموت، التي يتشاركها المسؤولون الإيرانيون، فالإيمان الديني العميق يعني التسليم بساعة الموت، واعتبار الموت في طريق الخدمة شهادة لأن الخدمة نوع من أنواع الجهاد. والشهادة وسام يرجو بلوغه كل مؤمن، وشرطه أن يقع الموت وقد اتخذ المعني به كل أسباب الحذر، ووقع عليه الموت، فيقضي شهيداً، وهذا تكريم له. أما لمشروع الدولة والثورة فإن الشهادة تستنهض الأمة، وتجدّد شبابها وعزمها وتخرج أفضل طاقاتها إلى ساحات الجهاد، وتظهر مواهبها القيادية التي تملأ الفراغ.
– من لا يفهم ثنائيّة فلسفة العدالة والموت في الجمهورية الإسلامية، لا يستطيع أن يفهم أشياء كثيرة، منها كيف استشهد القائد قاسم سليماني مثلاً، وكيف أن من بكوه للفراق أدركوا أن شهادته سعادة له ووسام لنهاية مشرفة لمسيرته الجهادية، وأنه ببركة دمائه يستنهض المزيد من القدرات والمواهب، وأن حضوره بعد الشهادة سيبقى قائماً وكفيلاً بتسديد المسيرة. ويسألك من تجادله في ذلك، فيقول أليس طوفان الأقصى من بركات شهادة الحاج عماد مغنية والحاج قاسم سليماني، ويقول انتظروا بركات شهادة الرئيس رئيسي والوزير عبد اللهيان.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً