هل تنسحب "إسرائيل" من غزة كما انسحبت من لبنان عام 2000؟ ــ د. نسيب حطيط

الخميس 16 أيار , 2024 09:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تعيش "اسرائيل" واميركا مأزقاً عسكرياً وسياسياً شبيهاً بالمأزق "الاسرائيلي" في لبنان بعد اجتياح عام 1982، حيث استطاعت المقاومة استنزاف العدو "الاسرائيلي" على مدى 18 عاما، فكانت جغرافيا الجنوب بيد جيش الاحتلال، لكن الامن والاستقرار بيد قوى المقاومة على اختلاف تسمياتها وعقائدها، مما اجبر الحكومة "الإسرائيلية" على اتخاذ قرار بالفرار من لبنان والتخلي عن جيش "لحد"، وتركه ذليلاً ينتظر على بوابة فاطمة.
في الشهر الثامن للحرب على غزة استطاعت "اسرائيل" ان تمسك بالجغرافيا وتدمّر، لكنها لم تستطع حتى اللحظة استرجاع الاسرى او نزع سلاح المقاومة، ووفق المؤشرات فان القضاء على المقاومة امر شبه مستحيل، او على الاقل يحتاج لسنوات، حتى سلطة حماس لا زالت باقية، لأن "اسرائيل" فشلت في تأسيس "جيش لحد" فلسطيني في غزة، وحتى السلطة الفلسطينية لم تتجرأ على ان تكون البديل دون تفاهم مع قوى المقاومة.
تبدو الخيارات امام اميركا و"اسرائيل" شبه معدومة، فإما الموافقة على توقيع هدنة دون تحقيق انجاز عسكري، مما يصيب "اسرائيل" واميركا بهزيمه موصوفة، وهذا ما لن تفعله اميركا و"إسرائيل"، واما الاستمرار بالقتل والتدمير، عسى ان يكون الضغط على المدنيين سبيلا لإجبار المقاومة على التوقيع والتنازل، او الاعتماد على ضربه حظ سواء باغتيال أحد القادة الرموز في غزة او الوصول الى بعض الأسرى، او انتظار ضربة "حظ" او "خيانة" تُجبر المقاومة على رفع الراية البيضاء، والا فإن الحرب ستطول، ويمكن ان يتم احياء الذكرى السنوية الاولى "لطوفان الأقصى" والمعركة مازالت مستمرة.
ان السبيل الوحيد للانتصار على التوحش "الإسرائيلي" - الأميركي والتآمر العربي - التركي وقلة الناصر، ماعدا محور المقاومة، ان تستفيد قوى المقاومة في غزة من تجربة قوى المقاومة في جنوب لبنان، وان تصعّد عملياتها ضد العدو في غزة وفق حرب العصابات، دون التركيز على الاحتفاظ بالجغرافيا، ولتعتمد على مسالة الجغرافيا المتحركة والضربات المتنقلة، مع بعض الضربات النوعية التي تشابه ضربة مقر "الحاكم العسكري" في صور، او العمليات الاستشهادية والكثافة النوعية للعمليات، لإجبار القيادة السياسية "الإسرائيلية" على اتخاذ قرار احادي بالانسحاب من غزة، كما حصل عام 2000 في لبنان، حيث  يقول الحاخام دافيد هارتمانا: "ان التجربة اللبنانية تسجل نهاية مرحلة سياسية في إسرائيل بدأت بعد حرب حزيران 1967، التي خلقت صورة إسرائيل المستقرة"، مضيفاً: "إن الشعور بالعظمة الذي بدأ عام 1967 قد تلاشى في لبنان".
يجب علينا عدم تقييم الحرب على غزة بمعنى النصر والهزيمة بناء على الخسائر البشرية على الخسارة البشرية لجهة عدد الشهداء والاسرى والجرحى، او عدد المباني المهدمة، فهي بطبيعة الحال خسائر كبرى، لكنها لا تؤشر الى الهزيمة بالمعطى الاستراتيجي، حيث ان هذه الحرب ثبتّت جدوى حروب الإستنزاف على طريق تحرير فلسطين، سواء بحل الدولتين كمرحلة اولى ثم الدولة الواحدة كخيار نهائي، وان حرب لبنان اسّست لإنزال "اسرائيل" عن عرش التفوق العسكري والنفسي يومكن لحرب غزة ان تثبّت هذه المقولة وتُنزل المشروع "الاسرائيلي" عن شجرة احلامه ويصبح تحرير فلسطين واقعا يمكن تحقيقه.. وليس حلماً.
في الشهر الثامن للحرب على غزة ولبنان تم تثبيت معادلة "ثنائية الجبهات" (غزة ولبنان) كجبهتين رئيسيتين للقتال مع جبهة إسناد من اليمن والعراق والضفة الغربية.
ما تبقى من أشهر الحرب سيكون ساخنا في لبنان مع بعض المخاطر الداخلية لإرباك المقاومة، لأنه إذا سكتت جبهة لبنان أصبح اسقاط غزة "جغرافيا وسياسيا" أسهل، وان بقيت جبهة لبنان فإن الحرب ستطول في غزة، ويمكن للمقاومة ان تحمي بعض إنجازاتها وتمنع "اسرائيل" واميركا من تحقيق المشروع النهائي للقضاء على المقاومة المسلّحة في الداخل الفلسطينية.
فلتبادر السلطة الفلسطينية للمشاركة في مواجهة الاحتلال في الضفة، على الأقل بالمظاهرات والاعتصامات، وتفجير انتفاضة شعبية (غير مسلّحة)، لفتح الجبهة الثالثة مع العدو، بالإضافة إلى جبهتي غزة ولبنان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل