مقالات مختارة
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً لكيرت ميلز، المدير التنفيذي لمجلة "The American Conservative" التي يصدرها معهد الأفكار الأميركية، يتحدث فيه عن سياسة ترامب الخارجية التي انتهجها في ولايته الأولى، والتي تتسم بعنصر المفاجأة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في فترة ولايته الأولى، استمتع دونالد ترامب باستخدام السلطة في المسرح العالمي، ولم يتبع نهجاً تقليدياً في العلاقات العالمية. من الممكن أن يكون أسلوبه السياسي الخاص استفزازياً، لكن النهج الذي يتبعه في التعامل مع مكانة أميركا في العالم هو نهج عملي. وإذا عاد إلى المكتب البيضاوي مرة أخرى، فقد يسعى إلى المفاجأة في تصرفاته.
كانت نتائج الشؤون الخارجية في فترة ولاية ترامب الأولى أقل من قيمتها بشكل عام، لكن بالنسبة إلى "الرجل المجنون"، كانت هناك إنجازات حقيقية، إذ لم تكن هناك حروب خارجية جديدة، بل اتفاقيات تطبيع بين "إسرائيل" ودول عربية، بعدما اعتقد العديد من الخبراء أنّ التوصل إليها يعد مستحيلاً، إضافة إلى التركيز على الصين.
وما لم يتغير المشهد العالمي فجأة، فسوف يعود ترامب إلى المكتب البيضاوي لمواجهة الأزمات الخارجية الحالية، وخصوصاً أزمات أوكرانيا والشرق الأوسط التي تجنبها إلى حد كبير في ولايته الأولى، ولكن من المؤكد أنّ الظروف لن تغير الطريقة التي يدير بها الشؤون الخارجية.
في فترة ولايته الأولى، ترامب قد يكون اليوم العدو اللدود للمؤسسة وللجمهوريين المحافظين الجدد، واليوم التالي رأس الرمح الشرير للقوة الأميركية (اغتيال قاسم سليماني).
ومن المرجح ألا يشكّل ترامب، في فترة ولايته الثانية، حكومة يمينية مؤلفة من المديرين التنفيذيين والجنرالات في قطاع النفط. وبدلاً من ذلك، سيسترشد بمجموعة جديدة من الشخصيات المؤسسة أو البراغماتيين، فضلاً عن مجموعة من المستشارين المرتبطين باليمين الجديد الذين يريدون إحداث تغيير واسع في السياسة الخارجية، ويسألون عما إذا قد توحّد حرب باردة جديدة، ربما مع الصين، الأميركيين.
ويختلف أعضاء هذه المجموعة اليمينية الجديدة في ما بينهم بشكل متزايد، وخصوصاً حول المدى الذي يمكن أن يصلوا به في العلاقة مع الصين، وأي مدى يجب أن تكون السياسة الخارجية مرنة مع الإسرائيليين.
ومن بين البراغماتيين الجدد، يكاد يكون من المؤكد أنّ الرجل الذي خلف جون بولتون كمستشار للأمن القومي روبرت أوبراين سيؤدي دوراً رئيسياً في فترة ولاية ثانية، ربما كوزير للدفاع أو وزير للخارجية. وأوبراين محامٍ بسيط، ولكنه قوي في ولايات الساحل الغربي. يطلق على نفسه اسم "جمهوري ريغان"، وسيكون من السهل قبوله في مجلس الشيوخ.
وقد يضم إلى الفريق أيضاً القائم بأعمال مدير المخابرات الوطنية السابق ريتشارد غرينيل، الذي كان سفير السيد ترامب إلى ألمانيا منذ عام 2018 إلى عام 2020، ويتوافق أسلوبه بشكل جيد مع نهج ترامب في التفاوض الدبلوماسي. أيضاً، هناك مجموعة، من بينها ستيف بانون والعقيد المتقاعد دوغلاس ماكغريغور، بطل عبادة اليمين الجديد، والذي كان من الموالين لترامب في خطة الانسحاب من أفغانستان.
قد يقترح هذا الفريق رؤية تلبي نهج السياسة الخارجية لترامب، الذي يفضل مزيجاً من الابتعاد عن المشكلات والانخراط في الصراعات بشكل حاسم لفترة وجيزة. غالباً ما يحار المحاربون القدامى في واشنطن بشأن امتلاك ترامب رؤية للسياسة الخارجية على الإطلاق.
لكن ترامب يحب أن يشغل هويتين في الوقت نفسه: المهدد والمفاوض. وكما أظهر في مقابلة حديثة مع مجلة "تايم"، فإنه يتمتع بفهم ذكي لكيفية إدارة فريقه في المفاوضات.
ويشير هذا مرة أخرى إلى التشابه مع إدارة نيكسون. كان أحد قراراته الأولى في البيت الأبيض هو تعيين هنري كيسنجر مستشاراً للأمن القومي. حتى كيسنجر – الأستاذ في جامعة هارفرد الذي كان مستشاراً لنيلسون روكفلر؛ منافس نيكسون – فوجئ بالقرار.
ومع ذلك، ساعد كيسنجر في موازنة مواقف نيكسون الحادة المناهضة للشيوعية أثناء الحرب الباردة، وأبقى الحلفاء والأعداء في حالة تخمين حول نياته. وقد عززت تكتيكات نيكسون التي تبدو غير متوقعة مصداقية تهديداته.
كثيراً ما يُذكَر كيسنجر اليوم بفضل توازن القوى والسياسة الواقعية وتحركه لإنهاء التورط الأميركي في فيتنام، ولكن يتذكره الناس أكثر بسبب فتح العلاقات مع الصين. هذا الأمر أدّى إلى ذهاب نيكسون إلى بكين، فهل يصل الأمر إلى درجة أن يذهب ترامب إلى بيروت أو حتى طهران؟
نهج ترامب القائم على موقفين في وقت واحد ينطبق على العديد من النقاط الساخنة الأخرى، على سبيل المثال في ما يتعلق بـ"إسرائيل"، ففي مقابلته الأخيرة، كرر أنه "سيحمي إسرائيل" إذا اندلعت الحرب مع إيران، لكنه قال أيضاً إنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "تعرض لانتقادات محقة بسبب ما حدث في 7 أكتوبر".
وأضاف أنّ على "إسرائيل" أن "تنجز المهمة" في غزة، لكنه خلص أيضاً إلى أنّ "إسرائيل" خسرت معركة العلاقات العامة في هذه الحرب. يمكن تخيل ترامب، كرئيس، داعماً لـ"إسرائيل" بلا تحفظ في حملتها العسكرية في غزة، لكن أيضاً يمكن تخيّله وهو يتحدث بعبارات أقسى بكثير ضد نتنياهو من الرئيس بايدن، ربما سعياً إلى وقف إطلاق النار.
في مثال آخر تبرز لغة ترامب حول روسيا وحلف شمال الأطلسي. ففي الشتاء الماضي، قال ترامب إنّه سيكون على استعداد للسماح لروسيا "بفعل ما تريده لدول الناتو التي لا تنفق ما يكفي للدفاع عن نفسها". وفي مقابلته مع مجلة "ذي تايم"، قال ترامب عن هذا التعليق السابق: "عندما أقول عبارات من هذا القبيل، فإن هذا يقال بغرض التفاوض".
وتفترض الانتقادات الموجهة إلى تعليقاته بشأن الناتو وروسيا أنّ ترامب سينهي عضوية الولايات المتحدة في "الناتو".
إنّ الانطباع العالمي عن ترامب باعتباره بيدقاً في يد فلاديمير بوتين ومعجباً برئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، لا يحفزه إلا على المفاجأة نحو الاتجاه الآخر.
وإذا فاز ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر، فإن حالة عدم اليقين التي تصاحب أسلوبه من شأنها أن تمنحه مرة أخرى القوة الناعمة والصلبة التي تتمتع بها أميركا في الشؤون العالمية.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً