الضربة الإيرانية... "إسرائيل" كيان هشّ وأمنها القومي في مهب الريح!

الأربعاء 17 نيسان , 2024 09:39 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

سجّلت الضربة العسكرية الإيرانية المركّبة، عبر استخدام المسيّرات والصواريخ، لأهداف وقواعد عسكرية إسرائيلية رداً على استهداف قنصلية طهران في دمشق، فصلاً جديداً من فصول المواجهة المباشرة بين إيران و"إسرائيل"، وشكلت انتهاء مرحلة الصبر الاستراتيجي، التي كانت تنتهجها طهران طوال المرحلة الماضية، إذ انتقلت إلى مرحلة فرض معادلة جديدة من الردع الاستراتيجي، وشكلت مفاجأة كبيرة لعدد من الأطراف، منها الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، التي كُشف فيما بعد أنها لم تكن تتوقع مثل هذا الحجم والقوة من الرد، وفق ما كشفته مصادر رسمية إسرائيلية.

أحدث الرد الايراني الدقيق والمدروس صدمة غير متوقعة في العقل الأمني الإسرائيلي، الذي اعتقد أن إيران ستمارس السياسة ذاتها من ضبط النفس، إلا أن ما جرى رسم صورة قوية من الجرأة الإيرانية في قلب المنطقة رأساً على عقب، وأدى إلى استنفار دول كبرى هرعت إلى حماية "إسرائيل".

شكّل الردّ الإيراني انعطافة استراتيجية كبيرة على الأرض، وفرض معادلات اشتباك جديدة وتحدياً أمنياً جديداً على "إسرائيل"، التي تخوض حرباً على غزة، عنوانها المواجهة المباشرة في الصراع القائم بين "إسرائيل" وإيران. وهذا ما ذهب إليه معهد الأمن القومي الإسرائيلي، على لسان مديره التنفيذي الجنرال تامير هايمان، الذي قال إن "أميركا وإسرائيل فشلتا في ردع إيران عن الهجوم، وتمكنت إيران من إلحاق الأذى بإسرائيل بصورة مباشرة، لأول مرة. فمن الناحية الاستراتيجية، فإن الوضع بات أكثر تعقيداً بعد الضربة الإيرانية". 

ثمة معادلة برزت مجدَّداً في المشهد بعد الرد العسكري الإيراني، كما برزت بعد السابع من أكتوبر، مفادها أن "إسرائيل" كيان مكشوف الظهر، وعاجز عن حماية أمنه القومي من دون حلفاء، كأميركا وبريطانيا وفرنسا. وكما سارعت الجسور الجوية إلى إمداد "إسرائيل" بالسلاح بصورة واضحة، تكرر المشهد ذاته، ليكشف مدى هشاشة "إسرائيل" وأمنها القومي في المنطقة. 

بين ثنايا ما جرى من تداعيات يلوّح نتنياهو وأعضاء مجلس الحرب برد إسرائيلي مرتقب على الضربة الإيرانية ، في وقت لا ترغب الإدارة الأميركية في حدوث هذا السيناريو من تبادل رسائل النار، والذي قد يؤدي إلى تفجير حرب إقليمية في المنطقة، لكنها، في الوقت ذاته، لا تتخلى عن "إسرائيل" وتريد حمايتها بكل ما تملك من قدرات وحلفاء. في الوقت ذاته، هي لا تريد تدحرج المواجهة على نحو يؤدي إلى إشعال نار حرب واسعة في وقت لم تنته الحرب في قطاع غزة، وتعلم أن مآرب نتنياهو واضحة في محاولته جر المنطقة إلى حرب تستمر أشهراً جديدة، إذ إن "إسرائيل" تهدف الى الخروج من أزمة غزة ومستنقعها، وتنتصر من خلال القفز إلى الأمام عبر توسيع نطاق المواجهة والصراع مع إيران. فالمعادلة تقول، بصورة واضحة، إن ضربة إسرائيلية جديدة للعمق الإيراني معناها حرب متدحرجة في الأفق .

القيمة والرسائل للضربة الإيرانية، التي وجّهتها طهران إلى "إسرائيل"، بصورة مباشرة، ليست بالسهلة، كما يصورها البعض وبصفها بأنها مسرحية. فهذا حديث لا قيمة له ولا وزن لمن يريد أن يقرأ المشهد بعمق وعناية كبيرين، بعيداً عن نتائجها الآنية لها، إذ فرضت فيها إيران قواعد اشتباك جديدة مع "إسرائيل"، وكشفت أن الردع الإسرائيلي في حالة من التأكّل المتسارع والكبير، ليس مع حماس وحزب الله فقط، وإنما أيضاً على مستوى المنطقة كلها.

نفذت إيران، عبر ضربتها، أكبر عملية استطلاع بالقوة العسكرية لقواعد الاعتراض الجوي ومنصاته في "إسرائيل"، وفي المنطقة بأسرها، وفرضت انطباعاً استراتيجياً لم يكن حاضراً لدى أي من الأطراف، مفاده قدرة إيران العسكرية في المشاركة في تحالف عسكري كبير مع روسيا والصين في مواجهة مشروع أميركي إسرائيلي غربي في المنطقة.

ثمة نتيجة أخرى يمكن استخلاصها منذ السابع من أكتوبر، حتى الضربة الإيرانية الأخيرة لـ "إسرائيل" ، مفادها أن كل المعادلات وكل أشكال الصراع في المنطقة مع "إسرائيل" تغيرت إلى الأبد، وفق حسابات الأطراف ذات العلاقة، سواء بحماس في قطاع غزة، أو بحزب الله في الجبهة الشمالية، أو بإيران بصورة مباشرة.

فكل طرف بات يريد رسم معادلات جديدة استناداً إلى رؤيته ومصالحه، وفق معطيات جديدة على الأرض. وكل الأطراف تلتقي على هدف استراتيجي، هو قطع يد "إسرائيل" ووقف عربدتها وكبح جماحها ومنع تمددها في المنطقة، وصولاً إلى تحقيق الهدف الأكبر، وهو القضاء على المشروع الإسرائيلي في المنطقة، والذي لم تعد "إسرائيل" قادرة على حمايته عبر قوتها الذاتية، بعد أكثر من قرن من الدعم الشامل للغرب الاستعماري. وبذلك نصل إلى نتيجة، مفادها أن المشروع الصهيوني ما زال مكلفاً للغرب ولأميركا، ولم يستطع كفاية نفسه بذاته في كل الأصعدة.

سجلت إيران، عبر ضربتها العسكرية، انتصاراً استراتيجياً أمام "إسرائيل"، كما سجلت قدرتها على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، من خلال تحديد أهداف عسكرية وضربها بدقة بالغة ومتناهية. وهذا شكل استراتيجية ردع جديدة في طبيعة الصراع الإيراني الإسرائيلي في المنطقة. وفي المقابل، خسرت "إسرائيل" استراتيجياً في استهداف قنصلية طهران، وباتت حرية عملها محاصَرة في المنطقة، ناهيك بالتراجع الواضح في دورها ومكانتها.

تداعيات أخرى على الصعيد الرسمي أكدت ضعف "إسرائيل" أمام التحديات الكبرى، وإن محاولة نتنياهو إظهار الاستقلالية في التعاطي مع تطورات الأوضاع مع إيران هي حركات فارغة المضمون، وبلا رصيد حقيقي على الأرض.

كشفت الضربة الإيرانية حال التفكك الذي تعيشه "إسرائيل" من الداخل من دون تجميل، من خلال حال الهلع والقلق لدى المستوطنين، واللذين شاهدناهما عبر شاشات التلفزة. وهذا يعكس فقدان الثقة بحكومة نتنياهو، ويسجل تراجعاً كبيراً في قوة مكونات "المجتمع" وتماسكه في "دولة" الاحتلال.

سيناريو متوقع حدوثه إن أقدمت "إسرائيل" على رد عسكري مجدَّداً، وهذا يؤشر على احتمال، مفاده أن "إسرائيل" بدأت فعليا العمل على سيناريو الخلاص من حرب غزة، بصورة تدريجية عكسية، في ظل الفشل الاستراتيجي الكبير لها، وقدرتها على حسم الحرب لمصلحتها. وقد يشكل الرد الإسرائيلي على إيران لها مخرجاً من مأزق غزة ومستنقعها من أجل إنهاء الحرب العبثية في غزة من دون أن تظهر في مظهر المنهزم أمام المقاومة الفلسطينية، وتهيئة صورة للعالم، مفادها أن وقف إطلاق النار جاء ضمن تفاهمات إقليمية تكون الإدارة الأميركية طرفاً فيها.

سيناريوهات المشهد المرتقبة هي تصعيد مضبوط الإيقاع عبر استهداف مصالح إيرانية ليست بالضرورة داخل إيران، وهذا مرهون بمدى قدرة الإدارة الأميركية على التحكم في المشهد والعلاقة بـ"إسرائيل" بما لا ترغب فيه، في وقت باتت الأخيرة متعثرة ومشتتة بين مستنقع غزة المستمر وجبهة الشمال مع حزب الله، ولا تريد الخروج في صورة "إسرائيل" المنكسرة، وتبحث عن خروج آمن لها يحافظ على ما تبقّى من صورتها ويوقف تأكّل ردعها.

 

شرحبيل الغريب ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل