مقالات مختارة
شكل العدوان الإسرائيلي الإرهابي الغادر على قنصلية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق تطوراً خطيراً في التمادي الصهيوني في اعتداءاته على سورية وخرق القانون الدولي، وطرح الأسئلة حول توقيت هذا العدوان باستهداف مقرّ دبلوماسي واغتيال قادة عسكريين إيرانيين في فرقة القدس التابعة للحرس الثوري، وماهية الأهداف التي أراد تحقيقها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الذي يسعى من خلالها إلى إعادة خلط الأوراق للخروج من مأزقه.. وما اذا كان سينجح في ذلك؟
أولاً، من حيث توقيت العدوان،
من الواضح أنه جاء في ظلّ جملة من التطورات الهامة على صعيد حرب الاستنزاف التي تخوضها قوى المقاومة ضدّ جيش الاحتلال وكيان العدو، إن كان في قطاع غزة او على جبهات الإسناد، والتي زادت من حدة مأزق الكيان وأزماته وتسعير الصراعات والانقسامات في داخله.. وعمّقت من مأزق نتنياهو.. وهذه التطورات تتجلى بالآتي:
التطور الأول، استمرار الفشل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة رغم مرور ستة أشهر على شنّ حرب الإبادة الصهيونية، حيث أخفق جيش الاحتلال في تحقيق أيّ من أهداف حربه:
ـ لم يتمكن من إضعاف قوة المقاومة الفلسطينية وفشل في تدمير معظم أنفاقها…
ـ لم يستطع الوصول إلى أيّ قائد من قيادات المقاومة…
فشل في تحرير الأسرى الصهاينة، او حتى بعض منهم…
في المقابل مُني جيش الاحتلال بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد والاقتصاد غير مسبوقة في حجمها في تاريخ الحروب الصهيونية.
لذلك دخلت «إسرائيل»، وخصوصاً حكومة نتنياهو، في مأزق كبير، فهي أصبحت غارقة في غزة تعاني من حرب استنزاف من العيار الثقيل، شبّهت من بعض الخبراء والمحللين ومراكز الأبحاث والصحافة الأميركية الصهيونية، بحرب فيتنام، وما تعنيه من استحضار عقدة فيتنام التي ظلت تلاحق الجيش الأميركي سنوات طويلة..
التطور الثاني، ازدياد النزف الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة بفعل استمرار هجمات المقاومة بقيادة حزب الله، والتي نجحت في تحويل المستوطنات الصهيونية إلى مناطق فارغة من المستوطنين الذين نزحوا عنها، فيما الحركة الاقتصادية والسياحة توقفت بشكل كامل، وأوقعت صواريخ المقاومة خسائر كبيرة بالأرواح والاقتصاد وأضرار بالغة في المعامل والأبنية التي بات يستخدمها جنود العدو للاحتماء من صواريخ المقاومة الموجهة المضادة للدروع.. الأمر الذي جعل عودة المستوطنين مستحيلة قبل وقف الحرب في غزة وهو شرط المقاومة لوقف ضرباتها في الشمال.. ولهذا فشلت كلّ الجهود الأميركية والبريطانية والفرنسية في الضغط على حزب الله لوقف عملياته، ولم تنجح محاولات التهويل والترهيب بشنّ الحرب على لبنان، ولا تقديم عروض الإغراءات الاقتصادية والمالية في دفع حزب الله إلى وقف النار والابتعاد عن الحدود مع شمال فلسطين المحتلة..
التطور الثالث، تصاعد عمليات أنصار الله، المقاومة اليمنية، في البحر الأحمر والمحيط الهندي ضدّ السفن المتجهة إلى الموانئ في الكيان الإسرائيلي ومنعها من عبور باب المندب او سلوك طريق رأس الرجاء الصالح، وذلك في إطار خطتها فرض وأحكام الحصار الاقتصادي على كيان العدو مقابل الحصار المفروض على قطاع غزة.. مما أدّى الى تكبيد كيان الاحتلال خسائر اقتصادية كبيرة زادت من كلفة الحرب الصهيونية الباهظة، حيث ارتفعت كلف شحن البضائع والسلع وتأمين السفن مما فاقم الأزمة الاقتصادية والمالية التي بات يعاني منها كيان العدو، وأضعف قوة أميركا في البحر الأحمر، التي لم تنجح أساطيلها واعتداءاتها على اليمن في فكّ هذا الحصار عن كيان الاحتلال ..
التطور الرابع، نجاح المقاومة العراقية في ضرب موانئ العدو الصهيوني بواسطة الطائرات المُسيّرة الانقضاضية، وشلّ الحركة في ميناء إيلات في أقصى جنوب فلسطين المحتلة، بعد استهدافه، مما أدّى إلى إثارة القلق لدى المستوطنين الذين اعتقدوا انّ مدينة أم الرشاش (إيلات) أكثر أمناً، ولن تصلها صواريخ المقاومة أو طائراتها المُسيّرة…
التطور الخامس، تبدّل مناخ الرأي العام الإسرائيلي على خلفية الفشل في غزة، من مؤيد بأغلبيته للحرب، وداعم لحكومة نتنياهو في السعي إلى القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى الصهاينة دون شروط، إلى أن أصبح الآن، حسب آخر استطلاع للرأي أجرته القناة 12 الإسرائيلية، 51 بالمائة ضدّ الحكومة ويدعون إلى استقالتها وإجراء انتخابات مبكرة.. فيما زاد زخم المشاركة في المظاهرات، واتحد المتظاهرون في المطالبة باستقالة الحكومة والتوصل إلى صفقة لإعادة الأسرى من غزة.. في وقت كشف فيه عن محاولة للإطاحة بنتنياهو قام بها عضو مجلس الحرب بني غانتس وذلك عبر العمل على الاستعانة بأعضاء من حزب الليكود الذي يشهد تململ بعض نوابه نتيجة عدم الرضا عن أداء نتنياهو..
ثانياً، هذه التطورات الآنفة الذكر، عكست عودة الانقسام في داخل الكيان إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتفجّر الصراعات، مما فاقم من المأزق الذي دخل فيه كيان العدو وحكومة نتنياهو، الذي أصبح يواجه ضغطاً داخلياً متزايداً إلى جانب الضغط الدولي، لوقف الحرب والقبول بصفقة لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات إلى غزة والسماح بعودة النازحين إلى الشمال.. الأمر الذي يُعتبر القبول به من قبل نتنياهو هزيمة له وللكيان ستقود إلى نهاية مستقبله السياسي ومحاكمته بتهم المسؤولية عن الفشل في 7 أكتوبر، والإخفاق في الحرب، وتعريض حياة العديد من الأسرى للموت، إلى جانب تهم الفساد.. ولذلك قرّر نتنياهو الهروب إلى الأمام باتخاذه شخصياً قرار تنفيذ العدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق، مع كلّ ما يشكله من خرق سافر للقانون الدولي، وذلك بغية محاولة تحقيق الأهداف الآتية:
الهدف الأول، التعويض عن إخفاقه وفشله في غزة واستمرار المراوحة القاتلة لجيشه الغارق في مستنقع الاستنزاف هناك، وإبعاد الأنظار عن هذا المأزق الذي يعاني منه جيش الاحتلال، ومأزق نتنياهو الداخلي، باتجاه آخر، والقول للصهاينة إنه لا يزال قادراً على تحقيق الإنجازات وها هو نجح في اغتيال قادة من الحرس الثوري الإيراني.. الذين يتولّون دعم المقاومة الفلسطينية، وقوى المقاومة في المنطقة وتمكينهم من مواصلة شنّ حرب استنزاف مكلفة لـ «إسرائيل».
الهدف الثاني، محاولة استدراج الجمهورية الإسلامية وحلفها المقاوم إلى حرب إقليمية تحوّل الأنظار كلياً عما يجري في غزة من جرائم صهيونية، وفشل عسكري، بما يؤدّي الى خلط الأوراق في الداخل الإسرائيلي لصالح عودة الالتفاف حول حكومة نتنياهو من ناحية، وتوريط أميركا في هذه الحرب من ناحية ثانية..
ثالثاً، هل سينجح نتنياهو في تحقيق ما يصبو اليه من وراء عدوانه؟
الواضح من خلال التدقيق في ردّ فعل القيادة الإيرانية وقوى المقاومة، انّ هناك إدراكاً لمأزق الكيان الصهيوني، وتحديداً مأزق نتنياهو، والأهداف التي يسعى إليها من وراء الاعتداء على القنصلية، وفي طليعتها محاولة الهروب من التسليم والإقرار بالفشل والهزيمة في غزة، ومن مواجهة نهاية مستقبله السياسي والمحاسبة داخل الكيان.. خصوصاً بعدما بات متهماً من قبل المعارضة الإسرائيلية وغالبية الإسرائيليين بأنه يصرّ على مواصلة الحرب لأسباب شخصية، فيما قال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يتسحاق بريك، إنّ القيادات السياسية والعسكرية «تعفنوا ويقودون إسرائيل للهاوية»، محذراً من انّ «تطورات الحرب على غزة ليست في صالح إسرائيل، التي لن تصمد في صراع البقاء من دون تغيير المستويين السياسي والعسكري كلهما».
من هنا فمن الطبيعي ان تقطع إيران الطريق على أهداف نتنياهو، وان يأتي ردّها المقبل لا محالة على الجريمة الصهيونية في إطار الاستراتيجية التي تتتهجها بالتنسيق والشراكة مع قوى محور المقاومة وقوامها:
ـ مواصلة دعم قوى المقاومة بكلّ الإمكانيات والقدرات التي تمكنها من الاستمرار في خوض حرب الاستنزاف ضدّ كيان العدو من الجبهات المختلفة بما يؤدّي إلى رفع فاتورة حربه وارهاقه ومفاقمة الصراعات والانقسامات داخله، وتعميق مأزق نتنياهو.
ـ الردّ على العدوان بضربة موجعة، تدفع العدو الثمن وتجعله يندم على ما ارتكبه من جريمة، وتمنع نتنياهو من إعادة خلط الأوراق لمصلحته، وتحول دون خروجه من مأزقه، الذي أصبح وكيانه يعاني منه نتيجة:
ـ الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة، والذي العالم أجمع، وصدم العدو،
ـ ونتيجة انخراط ومساندة قوى المقاومة في معركة نصرة غزة ومقاومتها، بما يقود في نهاية المطاف إلى إلحاق الهزيمة العسكرية والسياسية بكيان العدو وانتصار تاريخي واستراتيجي غير مسبوق للمقاومة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني ودول وقوى محور المقاومة في المنطقة.
حسن حردان ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً