مقالات مختارة
لا شك بأنّ الحرب التي فرضها الحوثيون في البحر الأحمر، لا تقتصر تداعياتها على المرحلة الآنية، والتي بموجبها فُرضت ما يمكن تسميته بـ معادلات البحر الأحمر، حيث باتت الولايات المتحدة وحلفها العسكري، أمام واقع لا يمكن الالتفاف عليه أو تأطير تداعياته سواء في هذه المرحلة أو مستقبلاً. هو واقع ورغم القوة العسكرية للولايات المتحدة، إلا أنها عجزت عن تحييد القوة العسكرية للحوثيين، وبهذا فإنّ البحر الأحمر وما يشهده من تطورات، كفيلة برسم مشهد جيو استراتيجي جديد، وبالتالي فإنّ واشنطن ولندن وغيرهما من عواصم تحالف العدوان، باتوا مدركين أنّ الحوثيين هم الرقم الصعب في المنطقة، ولا يمكن تصفير قدرتهم، بل على العكس ينبغي إشراكهم في معادلات الاستقرار في البحر الأحمر وعموم المنطقة والتي ستُفرض على إيقاعات ما يريده الحوثيون.
وعلى جنبات عملية طوفان الأقصى، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها ضدّ اليمن، عمليات عسكرية غايتها إبعاد الحوثيين عن مجريات الصراع الشرق أوسطي، وفي العمق فإنّ الولايات المتحدة ترغب في ردع اليمنيين عموماً وإبقاء تأثيراتهم ضمن بقعة جغرافية محددة، لكن الاعتقادات الأميركية والبريطانية أنه مع الهجمات اليومية على الأراضي اليمنية، سينسحب الحوثيون في نهاية المطاف من العملية في البحر الأحمر، لكن ما حدث فاجأ الأميركيين وحلفاءهم، لجهة استمرار الهجمات التي تطال السفن الإسرائيلية أولاً، وحتى السفن الأميركية الناشطة على مساحة البحر الأحمر ثانياً، والأمر الأهمّ أنّ قدرات الحوثيين العسكرية والصاروخية وصلت إلى أبعد من ذلك، فالقواعد الأميركية والإسرائيلية باتت تحت مرمى النيران اليمنية.
ما هو مؤكد أنّ الهجمات الأميركية والبريطانية ضدّ الحوثيين، ما هي إلا غباء عسكري، وعجز عن قراءة قدرات أنصار الله، فالسعودية ودول العدوان على اليمن غرقت في الرمال اليمنية، وعجزت عن تحقيق أهدافها، واليوم فإنّ سفن الولايات المتحدة وحلفاؤها يغرقون على في البحر الأحمر وعلى أبواب اليمن. صحيح أنّ الولايات المتحدة أكبر قوة بحرية في العالم في العقود القليلة الماضية، وواصلت حاملات طائراتها القيام بدوريات من الشرق إلى الغرب لاستعراض قوة البلاد أمام منافسيها، لكن الصحيح أيضاً أنّ هذه القوة البحرية العظمى عاجزة أمام أنصار الله، إلى درجة أنّ أحد المسؤولين في البيت الأبيض اعترف مؤخراً بأنّ عملية أنصار الله كانت أكبر تحدّ للبحرية في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، ولذلك وجهت صنعاء لأميركا ضربات لم تتعامل معها حتى الدول العظمى.
الأسابيع الأخيرة شهدت استهداف العديد من السفن والسفن الأميركية بصواريخ وطائرات مُسيّرة يمنية، وهذا يدلّ على أنّ اليمنيّين لهم اليد العليا في التطورات الأمنية في البحر الأحمر، وقال قادة صنعاء إنّ عمليتهم ضدّ السفن الأميركية وحلفائها الغربيين ستظلّ سارية طالما استمرّت الحرب في غزة، وحذروا الغرب من إجبار «إسرائيل» على وقف الحرب في غزة لمنع تصاعد الصراع في البحر الأحمر.
حقيقة الأمر أنّ المخاوف الأميركية تتجاوز المرحلة الحالية المتعلقة بحرب غزة، والقلق الرئيسي هو على فترة ما بعد الحرب والوضع الجديد في الشرق الأوسط، الذي غيّرته فصائل المقاومة بالكامل في الأشهر الأخيرة، وهو ما دق ناقوس الخطر في الغرب، فالعواصم الواقعة على الخليج العربي والبحر الأحمر لن تكون آمنة لهم، ولا يريد قادة البيت الأبيض الاعتراف بأنّ أنصار الله نجحوا في مواجهة قواتهم البحرية والجوية، وبالتالي، ومن أجل الحفاظ على صورتهم، فإنهم ينسبون نجاح ومسؤولية اليمنيين إلى إيران ويسمحون لهذا البلد بتجهيز القوات المسلحة اليمنية بالأسلحة والتكنولوجيا والاستخبارات، ويتهم بإظهار أنّ اليمنيين وحدهم ودون مساعدة الجمهورية الإسلامية لا يمكنهم مهاجمة أميركا.
ختاماً، فقد بات واضحاً أنّ التوازن الدولي لم يعد لصالح الولايات المتحدة، لا سيما أنّ روسيا والصين في تنافس مع واشنطن، حيال الاستفادة من الوضع في البحر الأحمر، الذي يقلل من النفوذ الأميركي، والولايات المتحدة تخشى بشدة أن يفيد تصعيد التوتر منافسيها الشرقيين، وهو أمر مخيف، والآن ضعفت قوة الردع والهيمنة الأميركية في المنطقة والعالم، ولا شكّ أنّ شيوخ العرب الذين عهدوا بأمنهم إلى هذا البلد سيعيدون النظر في سياساتهم الأمنية، تماماً كما توجّهت هذه الدول نحو الصين وروسيا في الآونة الأخيرة، وهذا يعني الابتعاد عن واشنطن وتقليل الاعتماد العسكري على هذه القوة المتراجعة.
وربطاً بما سبق، فإنه إذا ما استمرّ التصعيد في المنطقة، فإنّ عواقب الأزمة في البحر الأحمر سوف يتردّد صداها إلى ما هو أبعد من ممراته المائية الضيقة، وتؤكد المعطيات أنّ صنعاء لها اليد العليا في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، والمعادلات الموجودة اليوم يمكن تطويرها غداً وستكون مقدمة لنهاية الهيمنة الأميركية في المنطقة.
د. حسن مرهج ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً