مقالات مختارة
أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً للجيش الأميركي ببناء ميناء مؤقت أمام سواحل غزة في البحر الأبيض المتوسط، ما يسمح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر البحر، لكن هذا الإجراء في واقع الأمر كوضع العربة أمام الحصان، فهو مجرد نهج ساخر من حكومة الولايات المتحدة لتخفيف الانتقادات المحلية، ولن يمنع بشكل فعال الكارثة الإنسانية واسعة النطاق في غزة.
يُذكر أن الولايات المتحدة ستتعاون مع بلدان أخرى في المنطقة لبناء هذا الميناء المؤقت، بما في ذلك التعاون الوثيق مع "إسرائيل". سيكون الميناء قادرًا على استيعاب السفن الكبيرة التي تحمل الغذاء والماء والإمدادات الطبية وخيام المأوى المؤقتة، ما سيزيد بشكل كبير من كمية المساعدات الإنسانية اليومية التي تدخل غزة.
سيتم تشغيل الميناء في البداية من قبل الجيش الأميركي. وقد يصبح لاحقًا منشأة تجارية. وفي الوقت نفسه، سيتم تفتيش جميع السفن في قبرص للتأكد من أن مواد المعونة لن تستخدم في صنع الأسلحة.
وبينما يأمر بايدن ببناء ميناء مؤقت، تشتد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، إذ حذرت الأمم المتحدة مؤخرًا من أن ربع سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليونين وثلاثمئة ألف نسمة على الأقل على شفا المجاعة، وأن انتشار المجاعة بشكل واسع أصبح "أمر شبه حتمي".
هل يمكن للطريقة الجديدة التي اقترحتها الولايات المتحدة لنقل إمدادات الإغاثة أن تخفف حقًا من الكارثة الإنسانية في غزة؟
أولاً، يمكن القول إن إقامة ميناء مؤقت أمر "مكلف وغير فعال" مقارنة مع طرق النقل الأخرى الموجودة. ولم تقدم الولايات المتحدة معلومات مفصلة بشأن كيفية نقل الإمدادات من الساحل إلى المناطق الداخلية من غزة. علاوة على ذلك، كشف البنتاغون في بيان لاحق أن بناء ميناء مؤقت سيستغرق 60 يوماً على الأقل، وسيتطلب مشاركة أكثر من 1000 فرد أميركي، وهذا يعني أنه حتى لو سارت الخطة بسلاسة، فإن نتائجها الفعلية لن تظهر إلا بعد أسابيع، وهو أمر بعيد كل البعد عن تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة في قطاع غزة، كما هو واضح.
ثانياً، لا يمكن لتدابير مثل الممرات البحرية والقطرات الجوية أن تحل محل النقل البري الذي يعتبر أكثر الطرق فعالية لتقديم مساعدة كبيرة إلى المنطقة، بيد أن "إسرائيل" تفرض حالياً قيوداً شديدة على نقل الشاحنات على الأرض في غزة. وفي سياق القصف العنيف من جانب "إسرائيل"، من المستحيل ضمان قدرة الشاحنات على نقل إمدادات كافية، وهي المشكلة الجوهرية التي تواجه وصول المساعدة الإنسانية في الوقت الحاضر.
والأهم من ذلك، لم يكن لدى الولايات المتحدة أبدًا نية حقيقية لتحقيق وقف إطلاق النار وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقد أطلق بايدن خطة لإنشاء ميناء مؤقت لتقديم المساعدات الإنسانية في هذا الوقت لأن هذا العام هو عام الانتخابات الأميركية، وتصعيد الصراع واستمراره لا يفيدان إدارته.
ومن أجل تخفيف الأصوات المعارضة للناخبين في هذا الموضوع، على بايدن أن يتظاهر ويتخذ بعض الإجراءات في مجال المساعدات الإنسانية، بما يساعد على تحويل الانتباه الخارجي وتخفيف اللوم والضغوط.
في الواقع، لا تزال الولايات المتحدة "تصبّ الزيت على النار" باستمرار، فقد استخدمت حق النقض أربع مرات لإفشال اعتماد مجلس الأمن الدولي القرارات المعنية بوقف إطلاق النار الإنساني في غزة، وهي تواصل تقديم المساعدة العسكرية لـ"إسرائيل".
في 4 آذار/مارس، عندما سُئل عما إذا كانت الولايات المتحدة تفكر في الضغط على "إسرائيل" من خلال تعليق المساعدات العسكرية، صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم المساعدات العسكرية لدعم "الأعمال العسكرية المشروعة لإسرائيل"، وهذا أثبت مرة أخرى أن حكومة الولايات المتحدة ليست على استعداد لاستخدام نفوذها على "إسرائيل" لإنهاء الحرب في غزة أو لإجبارها على السماح بدخول الإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة بسلاسة.
وفي الأصل، يمثل الانحياز الأميركي إلى "إسرائيل" الاستراتيجية الأساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولن تغير الولايات المتحدة سياستها في دعم "إسرائيل". بناءً على هذه السياسة، فإن أي وساطة أميركية ومساعدة إنسانية أميركية لن تخدم سوى مصالحها الخاصة، ولن تساهم في وقف إطلاق النار بحلول شهر رمضان المبارك، ناهيك بحل القضية الفلسطينية بشكل جذري.
وانغ مو يي ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً