مقالات مختارة
في تقرير صدر حديثاً عن وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (أونروا)، تضمّن أنّ الكيان الصهيوني مدعوماً بإدارة بايدن الأميركية، وبدعم الرؤساء الأربعة في أوروبا (بريطانيا – فرنسا – ألمانيا – إيطاليا)، يقتل كلّ يوم (67) طفلاً فلسطينياً في غزة، وأنّ عدد الذين استشهدوا من الأطفال في (150) يوماً فقط أو خلال خمسة أشهر، تعادل عدد الذين تمّ قتلهم في الحروب التي شهدها العالم خلال السنوات الأربع الأخيرة (2019/ 2022)! وكذلك النساء، وأيضاً كبار السن الذين بلغت نسبتهم 72% من إجمالي الذين استشهدوا حتى الآن وعددهم نحو (32) ألف شهيد، ونحو (75) ألف جريح، حتى اليوم الـ (161) – (تاريخ كتابة المقالة)! حيث إن عدد الأطفال الشهداء في غزة (12,300) طفل، مقابل (12,192) طفل خلال 4 سنوات! ولو تجاوزنا ذلك مؤقتاً، لنرى الصورة أشمل، لوجدنا هدم وتدمير كل سبل الحياة في غزة (منازل – مدارس وجامعات – مستشفيات – مخابز – مساجد – كنائس إلخ…)، بلغت في العديد من التقارير نسبة تصل إلى ما بين 60-70%، إلى حدّ أن أصبحت الحياة مستحيلة في هذه البقعة من فلسطين وهي غزة! وقد أصبح أهالي غزة يعيشون في الخيام، وفي العراء، وبلا حماية أو غذاء، أو علاج، أو تعليم لأبنائهم! حتى الإعلاميين لم يسلموا واستشهد منهم ما يقرب من (150) إعلامياً! وحتى موظفي الأونروا واستشهد منهم (100) موظف! وحتى الكادر الطبي فقد استُشهد منهم الكثير!
ولعلّ في استمرار العدوان الصهيوني على شعب أعزل في غزة، كان من نتائجه الترحيل القسري لهؤلاء بين الشمال والوسط والجنوب في غزة حتى تمّ تجميع نسبة كبيرة بلغت نحو 50% من سكان غزة (1,2) مليون نسمة، في منطقة رفح الفلسطينية، بجنوب غزة، وعلى حدود مصر! في الوقت نفسه الذي يعلن النتن-ياهو، أنه سيهاجم رفح، ويدمرها، ويعلن إلى هؤلاء بضرورة التحرك نحو الحدود مع مصر، ومخاطبة مصر بأن تفتح حدودها لهؤلاء، وإلا ستشهدون مجازر جديدة، وإبادة شاملة لسكان غزة! ولا تزال التهديدات مستمرة، رغم الإدانات العالمية في كل مكان! إلا أنّ أميركا وإدارة بايدن، المجرمة في حق شعب فلسطين والعرب والمسلمين، تخاطب النتن/ياهو، بالتريث حتى يتحرك الفلسطينيون، وإبعاد السكان المدنيين، ثم مواصلة الهجوم وممارسة القتل! في الوقت ذاته لو أرادت أميركا إنهاء العدوان ووقف المهزلة، لتمّ ذلك، إلا أنّ ممارسات إدارة بايدن تؤكد أنها العدو المباشر، والمجرم الحقيقي! ومن الواجب أن تتمّ إدانة أميركا وإدارة بايدن، وحزبها الديموقراطي، أولاً، قبل الكيان الصهيوني، لأنها هي التي تدعم حكومة النتن/ياهو من اليوم الأول، وسبق أن كتبنا تفصيلاً في ذلك.
والخطير في الأمر، أن المجازر الصهيونية للشعب الفلسطيني في غزة، مستمرة كل يوم، وفي الأسبوع الأول من شهر رمضان، آخرها مجازر حي الكويت ودواره، بلغت ضحاياها نحو (150 شهيداً وحوالي 300 مصاب)، وتلك كارثة كبرى وسط صمت عالمي مريب! يؤكد أنّ العالم أصبح شريكاً في هذه الجريمة على مدار الشهور الخمسة وخلال الشهر السادس الآن!
والأخطر، أنّ إدارة بايدن، تقرر مع الكيان الصهيوني، إقامة ميناء في غزة، بالتنسيق مع قبرص (ميناء ليماسول)، وقد تمّ شراء قطعة في قبرص، لإقامة جسر لتوصيل المساعدات لأهالي غزة! وهو أمر مريب يحتاج إلى تفصيل وتحليل مفصل وشامل، ولكن القصد هو احتلال أميركي مباشر لغزة وتمكين الكيان الصهيوني من تحقيق أهدافه في غزة، وهي تلك التي فشلت على مدار الشهور الخمسة الماضية! فضلاً عن الدعم بتقديم مساعدات إنسانية، لشعب غزة، وباليد الأخرى تقديم السلاح للكيان الصهيوني، فأيّ ازدواجية يمارسها المستعمر الأميركي تجاه أبناء الشعب الفلسطيني الذي تمارَس ضدّه إبادة بشرية جماعية شاملة (Genocide)! تلك هي المؤامرة الجارية الآن، بلا رتوش أو محاولات تجميل لنظام أميركي صهيوني استعماري، يمارس أبشع أنواع الاستعمار الحديث، في زمن المفروض أنه قد انتهى منذ زمن، لكن يحاول أن يجدّد نفسه، ليؤكد الوجه القبيح لهذا الاستعمار الذي يمكن تشبيهه بالحية التي تغيّر ألوان جلدها طبقاً للمكان والزمان!
والأكثر خطورة وجرماً، في حق البشرية عامة وشعب فلسطين على وجه الخصوص، حالة الحصار الشامل (جواً وبحراً وبراً) على شعب فلسطين في غزة، طوال 17 سنة! بدون رادع أخلاقي، وسط زعم أنّ العالم يتقدّم «مادياً» في مجال التكنولوجيا والاتصال! بينما يتدهور إلى حدّ القاع أخلاقياً، في حق هذا الشعب الفلسطيني الأعزل. في الوقت الذي نشاهد على الهواء استشهاد الأطفال جوعاً، لانعدام وجود الطعام! إنها اللعنة الكبرى على عالم بلا أخلاق، حتى الحدّ الأدنى غير موجود، ويتظاهر الطغاة والاستعماريون، بتقديم المساعدات التي لا تكفي 10% من احتياجات سكان غزة، واستمرار الحصار بصور تتسم بالبشاعة!
إننا نرى وعلى الهواء مباشرة، أبشع صور الإبادة الجماعية، ونرى على الهواء مباشرة، الصمت الدولي وصمت الأنظمة العربية والإسلامية خوفاً من أميركا وتبعية لها! الأمر الذي يؤكد حتمية سقوط هذا النظام العالمي منعدم الأخلاق، والظالم، وازدواجي السلوك!
ونرى على الهواء مباشرة، أيضاً، انحطاط الأخلاق، وانعدام الحدود الدنيا من حقوق الإنسان الفلسطيني، في الوقت الذي يزعم الغرب بأنه صاحب منظومة حقوق الإنسان والديموقراطية، وانكشف أنّ هذه أداة للتدخل في شؤون إقليمنا العربي، وتمّ تدمير العراق، وسورية ولبنان وليبيا والسودان، واليمن ومحاصرة إيران! وكلّ ذلك لتحقيق الهدف الأكبر وهو حماية المشروع الاستعماري الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية والمحتلة من قبل عصابات صهيونية متوحشة! والآن جاء الدور على شعب فلسطين والبداية في غزة للقضاء على القضية والفكرة، وفرض الكيان الصهيوني على الإقليم، عبر إبادة بشرية كاملة لهذا الشعب. ليتأكد أنّ هذا العالم لا يزال متخلفاً، لانحطاط أخلاقه، وانعدام منظومة القيم الأخلاقية. فلا تقدّم بلا أخلاق.
إلا أنّ المقاومة، فكرة وممارسة، وتعدد ساحات المقاومة في الإقليم، وصلت إلى مرحلة فرض النصر بإذن الله، والواقع يشهد بذلك، ولعلّ في الأشهر الستة الأخيرة تحمل بذور النصر الشامل، عبر المعركة الكبرى والكاملة لإزالة الكيان الصهيوني تماماً وإلى غير رجعة بإذن الله.
د. جمال زهران ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً