السعودية - "إسرائيل".. مصافحة فتفاوض فاعتراف

الخميس 29 شباط , 2024 10:33 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

تصافح وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات ووزير التجارة السعودي ماجد العبد الله القصبي خلال انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية في أبو ظبي.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في موقعها على الانترنت عن بركات قوله للوزير السعودي: "إن "إسرائيل" مهتمة بإقامة السلام مع الدول العربية التي تسعى إلى السلام، وأننا يمكن أن نصنع التاريخ معًا". وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن الاثنين "تبادلا أرقام الهواتف الشخصية ليكونا على تواصل مباشر". ويُعتبر نير بركات أحد رموز الليكود ومرشحًا لخلافة نتنياهو، وكان أطلق مشاريع استيطان واسعة في القدس المحتلة عندما كان على رأس بلديتها الإسرائيلية.

تتم هذه المصافحة ولا يزال العدوان الصهيوني قائمًا على فلسطين، والدم يُهرق في غزّة من دون حدود. وسبق أن زار مسؤولون صهاينة العاصمة السعودية الرياض في إطار المشاركة في مؤتمرات عالمية. في أيلول الماضي، وصل وفد من وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى السعودية للمشاركة في اجتماع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" نُظم في العاصمة السعودية، واعتُبرت هذه الزيارة الأولى الرسمية والعلنية لوفد حكومي إسرائيلي إلى السعودية. كما استقبلت الرياض وزير السياحة الإسرائيلي حاييم كاتس في الشهر عينه بعنوان المشاركة في مؤتمر لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، ثمّ وزير الاتّصالات الإسرائيلي شلومو كرعي، بعد تلقّيه دعوة رسمية للمشاركة في "مؤتمر البريد العالمي" في الرياض أيضًا.

جاء ترتيب هذه الزيارات خلال فترة قصيرة تحت ستار استضافة مؤتمرات دولية، في سياق تسريع عملية التطبيع بين الجانبين. ويضاف ذلك إلى زيارات متلاحقة للعديد من الصهاينة إلى المملكة في هيئة "صحافيين" و"رجال أعمال" و"حاخامات يهود".

وفي 20 أيلول الماضي، أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية أن الاتفاق "يقترب" بشأن تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل"، قبل الإعلان عن تعليق مفاوضات التطبيع على أثر عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023. لكن الاتصالات لم تتوقف بين الجانبين وينشط فيها مسؤولون أميركيون كبار لإعداد صفقة تشمل التطبيع و"ترتيبات اليوم التالي" بعد احتلال غزّة.

وقالت وزارة الخارجية السعودية مؤخرا إنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، ووقف الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزّة. ولا تنفي شروط التطبيع السعودية مع الاحتلال أن هناك "هرولة" سعودية باتّجاه كيان الاحتلال، وما ذُكر مؤخرًا أن الرياض خفضت سقف الشروط إلى "تعهد" إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية دليل على تعطش سعودي رسمي للتطبيع، مقابل حفظ ماء الوجه في قضية المبادرة العربية للسلام، مع الإشارة إلى أن "إسرائيل" أجهضت على الأرض أية إمكانية حقيقية لإقامة دولة فلسطينية متواصلة وذات سيادة.

وتطمح السعودية بالدرجة الأولى للحصول على معاهدة دفاع مشترك ملزمة للولايات المتحدة تخلف الاتفاقيات القائمة بين الجانبين منذ لقاء الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأميركي روزفلت عام 1945، كما تريد السماح لها بتشغيل برنامج نووي مدني يقوم على تخصيب اليورانيوم. لكن السعودية التي تشرف على الحرمين الشريفين لا تستطيع تجاوز قضية فلسطين برمزيتها الإسلامية والعربية، ولذلك وضعت ضمن قائمة الشروط الحصول على التزام إسرائيلي بشأن إقامة الدولة الفلسطينية. وسبق أن استخدمت أنظمة عربية قضية فلسطين ممرًا للتطبيع مع العدو، وهذا كان حال النظام المصري أيام انور السادات عندما جعل بند الحكم الذاتي الفلسطيني ضمن اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، كما طلبت دولة الإمارات عام 2020 وقف ضم أجزاء من الضفّة الغربية إلى كيان الاحتلال ضمن مقدمات اتفاقية التطبيع الخاصة بها، لكن العدوّ قال بعد ذلك إن الأمر يتعلق بتجميد الضم وليس بإلغائه.

وباستثناء إعلان "تعليق" مفاوضات التطبيع، لم تتّخذ السعودية أي إجراء قوي في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، وصدر بيان ضعيف اللهجة عن القمة المشتركة العربية - الإسلامية التي استضافتها السعودية في 11 تشرين الثاني الماضي، بعد ما يزيد على شهر على أحداث غزّة. وكان واضحًا ان البصمة السياسية السعودية كانت المسيطرة على توقيت انعقاد القمة وطريقة تنظيمها وختامها. كما سمحت السعودية بمرور السلع والبضائع من دبي عبر أراضيها إلى كيان العدوّ مرورًا بالأردن، بعد إغلاق البحر الأحمر في وجه السفن المتوجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، في وقت لا يسمح العدوّ بوصول مواد الإغاثة إلى الشعب المحاصر في غزّة.   

ومن دون شك، فإن استمرار اللقاءات الجانبية بين مسؤولين إسرائيليين وسعوديين هي نوع من التحضير النفسي للجمهور السعودي من أجل "الحدث الكبير" المقبل، ولم تَحُل الأحداث الجارية في فلسطين برغم ضخامتها وكلفتها الإنسانية العالية واتضاح صورة الإجرام في كيان العدوّ دون استمرار المفاوضات للتوصل إلى صفقة ستمنح العدوّ - في حال تحققها - مكاسب سياسية واقتصادية كبرى من شأنها إعادة تلميع صورته التي تحطمت على امتداد العالم وتوسيع حضوره في البلدان العربية والإسلامية، في وقت يُفترض جرّ مسؤوليه السياسيين والعسكريين إلى المحكمة الجنائية الدولية بأدلةٍ توفّرها كلّ يوم آلة القتل الإسرائيلية وتصريحات صادمة لقادة العدوّ وفيديوهات قتل وتعذيب وتدمير يوقّعها جنود الاحتلال بأنفسهم.

 

علي عبادي ـ العهد

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل