قطاع غزة.. مَن يسقط أولاً: بايدن أم نتانياهو؟ ـ أمين أبوراشد

الثلاثاء 23 كانون الثاني , 2024 11:11 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كما تُعِيد البوارج الحربية الأميركية انتشارها دورياً في البحر الأحمر، منعاً لإصابتها بصواريخ الحوثيين أو مُسيَّراتهم، كذلك يفعل جيش الاحتلال "الإسرائيلي" بألويته داخل قطاع غزة، سيما أن المعنويات ليست على ما يرام، بعد الخسائر التي تكبدتها ألوية النخبة، خصوصاً أن شمال القطاع، الذي سبق لوزير الدفاع يوآف غالانت إعلان السيطرة عليه ثم الانسحاب منه، بدأت المقاومة الفلسطينية تستخدم أنقاضه لعمليات "الذئاب المنفردة"، عبر استدراج دوريات العدو، سواء للمواجهة المباشرة أو الانقضاض عليها من الخلف.

خطأ حسابات الاحتلال بدأ منذ الثامن من أكتوبر؛ عند بدء التحشيد في مناطق غلاف غزة، وهذا الخطأ من جزئيتين: أولاً لأن غارات سلاح الطيران وكثافة القصف المدفعي المدمِّر لم يكونوا من التكتيكات الكفيلة بتأمين دخول القوات البرية في عمليات تمشيط وكشف الأنفاق، وثانياً لأن طول الأنفاق هو 760 كيلومتراً وليس 300 كما كان مقدراً، وفتحات هذه الأنفاق عددها نحو 7000، أي أن جيش الاحتلال الذي أعلن تدمير 1100 فتحة، ما زال أمامه الكثير من البحث ومن الأثمان لبلوغ أنفاق ذات أعماق متباينة.

الخسائر الفلسطينية للأسف قد وقعت، أكثر من 25 ألف شهيد، و63 ألف جريح، والآلاف من المفقودين، وبلوغ عدد النازحين نحو مليونين، منهم حوالي 800 ألف قد بلغوا مرحلة المجاعة نتيجة العجز العربي على أنواعه، من المقصود والمتعمَّد، الى المتواطئ بعدم اقتحام بوابة معبر رفح لدواعٍ إنسانية على الأقل، لإنقاذ آلاف الجرحى والجوعى الذين يموتون تحت عيون أحبائهم والأكفان دموع، ولم يعُد للمدنيين من الشعب الفلسطيني ما يخسرونه، بعد أن بات سقف أحلامهم خيمة داخل قطاع يرفضون أي بديل عنه.

الكل سيتساوى في الخسارة من هذا العدوان، وإذا كان الرئيس جو بايدن بدأ يدفع الأثمان مع بداية الحملة الانتخابية الرئاسية، التي لم تقتصر على فقدان تأييد الجاليات العربية، بل جيل الشباب الأميركي الذي روَّعته مشهديات غزة بفعل الأسلحة الأميركية، ويُطالب كما جماهير الشوارع الأوروبية بوقف مجزرة العصر، إلا أن بايدن يجد نفسه عاجزاً عن لجم الإجرام الصهيوني، ليس خوفاً من نتانياهو، بل من اللوبي اليهودي الذي يُشكِّل كتلة ناخبة وتكتلات مالية قادرة على الإطاحة به، وهو الذي يُعاني ليس فقط بسبب العدوان على غزة، بل نتيجة هزالة السياسة الخارجية الأميركية في عهده، كما يقول خصمه ترامب، بدءاً من فلتان الحدود مع المكسيك، الى أزمة بحر الصين، إلى "السماح" لروسيا بغزو أوكرانيا - وفق كلام ترامب - وانتهاء بالعلاقات الأميركية العربية التي ساءت في عهد بايدن، وباتت القواعد الأميركية في العراق وسورية أهدافاً مشروعة على خلفية ما يحصل من مجازر في فلسطين المحتلة، ولا يتوافق ترامب مع بايدن سوى على دعم "إسرائيلية" في عدوانها الحالي، وربما لهذا السبب، يحاول نتانياهو تمديد هذا العدوان حتى العام 2025؛ موعد وصول صديقه ترامب إلى البيت الأبيض.

وكما أن هناك أعضاء من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأميركي يشعرون بالاستياء من أداء بايدن، ويطالبونه بوقف التموين والتمويل عن "إسرائيل" ما لم تعلن حكومتها الانتقال إلى مرحلة "اليوم التالي" والتخفيف من العنف المفرط بحق المدنيين، هناك أيضاً استياء لدى حزب الليكود الصهيوني من أداء نتانياهو، وفق ما أوردت صحيفة "جيروزاليم بوست"، التي أوردت أن عدداً متزايداً من وزراء الليكود وأعضاء الكنيست يعتقدون أن أيام رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو على رأس الليكود أصبحت معدودة، حسبما ذكرت مصادر في الحزب.

وأوضحت "جيروزاليم بوست" أنه "بالإضافة إلى الأحداث الكارثية التي وقعت في 7 أكتوبر والشعور المتزايد بين قاعدة الحزب بأن رئيس الوزراء لن يفي بوعده بتدمير حماس وإعادة جميع الرهائن، لاحظ أعضاء الكنيست أداء الحزب الضعيف في معظم استطلاعات الرأي – التي اعطته ما بين 16 و18 مقعداً، مقارنة بـ32 مقعداً حالياً"، خصوصاً في حال إجراء انتخابات مبكرة يسعى إليها حزب العمل وباقي أحزاب المعارضة بزعامة يائير لابيد.

وحسب الصحيفة، إذا لم يعد حزب الليكود هو الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة، فإن كل وزرائه الحاليين الثمانية عشر تقريباً (باستثناء نتنياهو) سينزلون للعمل كأعضاء كنيست من المعارضة، وسيكون أغلب أعضاء الكنيست الحاليين عاطلين عن العمل.

لذلك، بدأ أعضاء الكنيست خلف الكواليس ينجذبون نحو خلفاء محتملين، بمن فيهم وزير الاقتصاد نير بركات، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست يولي إدلشتين، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وغيرهم كثيرون، بحسب ما ذكرت مصادر لـلصحيفة.

والخلاف بين بايدن ونتانياهو هو على تفسير عبارة "اليوم التالي"، وهذا الخلاف ينسحب أيضاً على الدول الغربية والإقليمية التي تسعى لتخفيف العنف تمهيداً لوقف النار، وهذا ما يرفضه نتانياهو ومعه وزراء أحزاب اليمين العنصرية والدينية، كما أن عبارة "اليوم التالي" باتت تحمل عنواناً لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، ومَن سيحكم غزة، خاصة أن نتانياهو مُصرّ على بقاء الاحتلال الأمني لها، وتشجيع عودة الاستيطان إليها؛ بما يعني تصاعد المواجهات، ليس مع مستوطنات بصدد العودة إلى القطاع، بل بين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة الغربية، نتيجة تداخل المستوطنات مع مدن وبلدات الضفة، وممارسة اليهود دور حفظ الأمن بأسلحتهم الكاملة وتحت حماية "جيش الدفاع".

في الخلاصة، ومهما كانت نتائج العدوان على غزة، فإن ما يحصل في معارك خان يونس من مواجهات قاسية مع المقاومة الفلسطينية، يضع الصهاينة في عالمٍ من اليقين الأشبه بالتقدير، أن قادة حماس والجهاد وباقي الفصائل هم في خان يونس، لكن الحذر الصهيوني يبدو واجباً لأن الرهائن أيضاً معهم، وهنا يبدو الخيار الصعب كي يعود ما بقي من الرهائن أحياء: الخضوع لشروط المقاومة ووقف النار وإجراء عملية تبادل الرهائن بالأسرى، أو استمرار المجازر حتى آخر رهينة على قيد الحياة، ترحل ويرحل معها نتانياهو مهما كانت نتائج العدوان، ويبقى أبناء غزة في أرضهم ولو أمضوا سنوات في النزوح من خيمة إلى خيمة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل