مقالات مختارة
منذ طوفان الأقصى والتفاهم الذي جمع الرئيس الأميركيّ جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على بدء الحرب على غزة، تمّ تحديد هدف معلن وجدّي للحرب هو القضاء على حركة حماس، سواء كقوة عسكرية أو كقوة تتولّى إدارة شؤون قطاع غزة كحكومة، وكان كل ما يصدر عن واشنطن وتل أبيب طوال ثلاثة شهور تقريباً يتمسك بإصرار على تأكيد هذا الهدف. وكان كل نقاش أميركي لمفهوم وقف إطلاق النار يجري من زاوية أنه يمنع تحقيق الهدف، وهو اجتثاث حماس، وحتى عندما بدأت واشنطن تنصح بتعديل نمط الحرب، سواء عبر العمليات المستهدفة بدلاً من التوغل البري الواسع، أو بضبط عمليات القصف القاتل والمدمر الذي يحصد الآلاف من النساء والأطفال، فهي نصحت بذلك تحت شعار تسهيل بلوغ المهمة، أي القضاء على حماس، باعتبار أن النصائح الأميركية تخفّف الخسائر البشريّة المدمرة لجيش الاحتلال، وتمنحه فرصة إلحاق إصابات قاتلة ببنية حماس، وتتيح له التحمل لخوض حرب طويلة، وتجنب أرقام عالية من المدنيين في عمليات القصف يسهم بتخفيض الكراهية التي أصابت صورة الكيان في الشارع الغربي والأميركي خصوصاً، بصورة جعلت دعم الكيان وحربه عبئاً سياسياً وشعبياً على حكومات الغرب وعلى الإدارة الأميركية.
الكلام الصادر عن الناطق بلسان مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، حول استحالة القضاء على حماس، والتسليم أنه بعد الحرب لا يمكن تجاهل بقاء حماس وحتميّة مشاركتها في أي صيغة مستقبلية لغزة، هو إعلان صريح بفشل الحرب. وما قاله كيربي عن طبيعة الهدف البديل لا يقلّ أهمية، فهو يقول إن المهم والواقعي هو منع حماس من امتلاك القدرة على تكرار ما جرى في السابع من تشرين الأول، ومن تشكيل تهديد لاحق لأمن الكيان. وهذا الكلام بما يتضمّنه من أبعاد سواء لجهة التسليم بفشل الحرب في تحقيق أهدافها، أو لجهة رسم سقف جديد لها، يفتح الطريق لتطوّرين لاحقين حكماً لكلام كيربي، الأول هو اعتبار أن الهدف الجديد بمنع حماس من تشكيل تهديد لأمن الكيان، يمكن القول غداً إنه تحقق، وتقديم خسائر غزة والبنى التحتية فيها، والمدة والأموال اللازمة لإعادة إعمارها، بالإضافة إلى خسائر حماس وبنيتها العسكرية، كضمانات لعدم تشكيل تهديد لفترة سنوات مقبلة. وهذا قرار أميركي بفتح الباب للقول بأن المانع من القبول بوقف إطلاق النار يتراجع، أما التطوّر الثاني فهو أن كلام كيربي يفتح الباب لقبول حكومة فلسطينيّة تشارك فيها حماس، تتولّى شؤون الضفة وغزة، ضمن إطار حل سياسي مؤقت لإنهاء الحرب.
عملياً الأميركي يطلق بالون اختبار أمام حركة حماس، بعدما تيقن من أن الأبواب موصدة أمام مشروع سلسلة تتضمّن أكثر من هدنة، يرافق كلاً منها تبادل تدريجي للأسرى، تستأنف الحرب بينها وبعدها، ويقول إنه جاهز لحل وسط، مضمونه يقترب من القبول بوقف إطلاق النار، وإنه يضع لذلك شرطاً بأن تتولى حكومة فلسطينية موحدة الضفة وقطاع غزة، لا يمانع من مشاركة حماس فيها، وأن تبدأ على هذا الأساس مفاوضات لتبادل الأسرى، لكنه لم يتحدث عن الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، باعتبار أنه كرّر مراراً أنه لا يوافق على تعديل مساحة القطاع، ولا على بقاء الإسرائيلي بعد نهاية الحرب داخل قطاع غزة، ولم يجب بعد على فك الحصار وإعادة الإعمار، بانتظار جواب حماس على هذا العرض. وما قاله الأميركي كثمرة لشعوره بالمأزق وعنوانه نفاد الوقت قبل تصاعد غير محسوب يأخذه إلى أحد خيارين، إما الانكفاء وقبول اهتراء صورة قدرة الردع الأميركي خصوصاً في العراق والبحر الأحمر، أو الانخراط في حرب استنزاف لا يملك القدرة على التحكم بمساراتها.
هذا يعني أن الصمود والثبات في غزة، وشراكة قوى محور المقاومة في الجبهات المتعدّدة، قد بدأ يثمر، وأن المزيد من الثبات والصمود، والاستثمار على الجبهات المساندة وعامل الوقت، سوف يجعل الأميركي الذي بدأ بالنزول عن الشجرة ينزل أكثر، ويمسك معه بيد “الإسرائيلي” لينزل مثله، لتكريس معادلة طوفان الأقصى، بنصر واضح للمقاومة وفرض شروطها لوقف الحرب.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً