مقالات مختارة
لعله من مسلمات القول انّ الخاسرين في الحروب هم كلّ المنخرطين فيها سواء منها من كان غالباً او مغلوباً بالنظر للخسائر التي تصيب الجميع في مختلف الموارد سواء منها البشرية أم المادية إلا انّ الأمور تقاس بالنتائج التي تترتب عن الحروب، لا سيما ذات الطابع المصيري والاستراتيجي منها والتي يمكن لتأثيراتها ان تمتدّ لفترة طويلة من الزمن وان تكون لها تداعيات، ربما تتحكم في مصائر أجيال قادمة كحال قضية الشعب الفلسطيني الذي تمّت المقامرة عليه وعلى مصيره منذ بداية القرن الماضي بعد إصدار وعد بإنشاء دولة للصهاينة في أرض فلسطين وكان سبيل تحقيق ذلك القتل والتهجير وسفك دماء هذا الشعب بمؤازرة كاملة من قبل دول ادّعت حمل رايات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
بعد نيّف ومائة عام على وعد بلفور ورغم السنوات العجاف المملوءة حقداً وقتلاً وخيانة وتواطئاً، التي مورست على الشعب الفلسطيني في أرضه وإنسانه يُضاف اليه هرولة دول عربية عديدة الى مدّ جسور التعايش والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي بغية تيئيس إرادة الفلسطينيين ودفعهم للإقرار والتسليم بواقع ان لا دولة ولا كيان لهم وانّ السبيل الوحيد أمامهم هو الاندماج حيث هم مع شعوب الدول التي لجأوا اليها او الهجرة الى بلاد الله الواسعة إلا أنّ حسابات الحقل لم تستوِ مع حسابات البيدر نظراً لإرادة المقاومة التي ترعرعت لدى الشعب الفلسطيني وتوارتثها الأجيال جيل بعد آخر ولم تستطع شتى أنواع الحروب والانتهاكات في طمس الهوية الفلسطينية التي يسعى العدوان الإسرائيلي حالياً على غزة الى سحقها وإخماد كلّ عوامل المقاومة فيها عبر آلة حربه المروّعة، الدموية والإجرامية الغير مسبوقة بحق المدنيين المحاصرين لا سيما الأطفال منهم وهدم الأماكن والإنشاءات خاصة منها المفترض انها محمية ومحيّدة وفق القوانين الدولية كالمستشقيات ودور العبادة في افعال لا تصدر الا عن عاجز وبائس.
السؤال الذي يطرح نفسه وسط أصوات المدافع وهدير الطائرات في ظلّ حرب غير متكافئة هل يمكن ان تنتهي الحرب الى غالب ومغلوب؟
في قراءة للمشهد السياسي عقب عملية طوفان الأقصى حيث اعلنت المقاومة الفلسطينية انها انما قامت باجتياح غلاف غزة واسر مئات الصهاينة بهدف انجاز مطالب ينادي بها كلّ أحرار الشعب الفلسطيني والتي تتركز حول إطلاق سراح كلّ الأسرى القابعين دون وجه حق في غياهب المعتقلات الصهيونية إضافة الى حماية المقدسات وفك الحصار عن قطاع غزة المفروض منذ ما يزيد عن العشر سنوات، هذه الشروط التي اعلنتها المقاومة الفلسطينية قابلها بعنجهية وتجبر صهيوني نابعة من سياسة استعلاء واستكبار حيث بادر الصهاينة فور استفاقتهم من صدمة اذلالهم وتهشيم صورتهم اثر عملية طوفان الاقصى الى وضع شروط وإملاءات على المقاومة الفلسطينية تتضمّن الإطلاق الفوري للأسرى الصهاينة دون قيد او شرط إضافة الى قرار سحق حركة حماس وإخراجها كما حركات المقاومة بأجمعها من المعادلة.
بناء على الشروط المعلنة وإزاء ما تحقق منها سواء بطريقة مباشرة عبر الميدان او عبر مفاوضات يقودها وسطاء واستناداً للوقائع التي يمكن من خلالها استشراف المستقبل ومعرفة هوية الغالب والمغلوب بعد الإطلالة على موقع طرفي المواجهة التي تبدو كالتالي:
1 ـ الجانب الصهيوني: أهداف وإخفاقات
أعلن رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، في وصفه لأهداف الحرب التي تشنها «إسرائيل» ضدّ حركة «حماس» ما يلي: «سوف نسحق حماس وندمرها، وسنطلق سراح الأسرى دون قيد او شرط واضعاً نصب عينيه ضرورة استعادة ثقة الإسرائيليين بقدرة جيشهم على توفير الأمن لهم وضرورة إعادة تفعيل قوة الردع الإسرائيلية لإعادة ترميم صورة الكيان المتهالك لا سيما لدى الحلفاء المراهنين على دور إسرائيل الوظيفي إلا انّ نتائج عملية طوفان الأقصى واستحالة تحقيق شروطها ونتيجة مسار الميدان في غزة يشي بما لا يدعو للشك بأنّ الكيان الاسرائيلي متجه الى هزيمة على كلّ المستويات ومنها:
أ ـ سقوط وهم انّ إسرائيل هي منصّة الشرق الأوسط، وأنها تؤمّن الأمن والاستقرار والإنماء وهذا ما سوف يرتدّ سلباً على الثقة محلياً لدى المستوطنين وإقليمياً على المهرولين للتطبيع معها بعدما ثبت أنها كيان لا يحمي بل ينشد الحماية.
ب ـ سقوط المظلة القيمية والأخلاقية لدى شعوب العالم قاطبة وكان للكمّ الهائل من التوحش والقتل الذي مارسه الصهاينة بحق الأطفال والمدنيين في غزه أثره البالغ في إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة فضلاً عن تحوّل فلسطين الى شعار عالمي يرمز الى مظلومية الشعب الفلسطيني وحقوقه المهدورة التي لطالما عمل الصهاينة على طمسها وطمس هويتها ىووجودها.
2 ـ الجانب الفلسطيني: أهداف وإنجازات:
المحور الأساسي التي قامت عليه حركة طوفان الأقصى هو إطلاق سراح جميع الأسرى ورفع الحصار وحماية المقدسات وهي أهداف لا يبدو انّ المقاومة الفلسطينية رغم الأثمان الباهظة، جرّاء سقوط الشهداء، والضحايا، والجرحى، والهدم والخراب في وارد التراجع قيد أنملة عنها وما رضوخ العدو الاسرائيلي لهدن وإجراء عمليات تبادل بخلاف ما كان ينادي به واشترط قبل اندلاع الحرب إلا إحدى دلائل عجزه رغم سياسة التوحش والمجازر التي يسلكها والأمر المرجح ان يمتدّ عجزه الى ان تحقق المقاومة كلّ شروطها وها أمر نتيجة حتمية لمنازلة الميدان التي ستفرضها سواعد المقاومين وبيئة المقاومة في غزة وهي الفيصل التي من المرجح ان تكون لها الغلبة فهي صاحبة الأرض والتاريخ فضلاً عن قراراها في الصمود بإباء وشموخ، ويبقى العنوان الأبرز في المواجهة إعادة فلسطين بأرضها وشعبها الى الوجدان العالمي واحراره والقضية الابرز التي يتجلى فيها الحق الإنساني لدى مختلف شعوب العالم…
خضر رسلان ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً