شيا وأدواتها ــ عدنان الساحلي

الجمعة 17 تشرين الثاني , 2023 12:28 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يتداول اللبنانيون بما يشبه التسليم، بأن قائد الجيش تعينه الإدارة، أو بالأحرى، السفارة الأميركية. وبأن كل المعارك السياسية والشد والجذب، التي نشهدها عند حصول مثل هذا التعيين، هي تمثيليات صبيانية ينفذها الساسة اللبنانيون، بناء على توجيهات السفارة الأميركية.

 وهذه الأيام تمارس اللعبة على المكشوف، إذ جمدت المساعي لحل مسألة لفراغ الحاصل في رئاسة الجمهورية، باعتبارها نقطة نزاع بين اللبنانيين، سيخدم الضغط لحسمها الوزير السابق سليمان فرنجية، وفق التوازنات القائمة. كما يسود الهدوء على "جبهتي" حاكمية مصرف لبنان ومديرية الأمن العام. فلم "تنزل السماء على الأرض"، عندما حلّ الشيعي وسيم منصوري، النائب الأول لحاكم مصرف لبنان، مكان الحاكم السابق الماروني رياض سلامة. كما لم "تخرب الدنيا" عندما حلّ الماروني اللواء الياس البيسري، مكان الشيعي اللواء عباس إبراهيم، في قيادة المديرية العامة للأمن العام. لكن أن يحل الأعلى رتبة مكان قائد الجيش، العماد جوزاف عون، فهذا من الممنوعات، إذ يبدو أن الضابط المرشح لهذه المهمة، لا يناسب السفيرة الأميركية دوروثي شيا وخططها ومصالح دولتها في لبنان.

في الظروف العادية يتولى الأعلى رتبة مكان رئيسه السابق، في مختلف المؤسسات والإدارات العامة، المدنية والعسكرية، إذا تعذر تعيين أصيل، مكان الرئيس المغادر لموقعه لأي سبب كان. وهذا حصل في مصرف لبنان وفي مديرية الأمن العام، فلماذا الإصرار من السفيرة الأميركية على بقاء قائد الجيش في منصبه والضغط للتمديد له، إستثناء عن غيره؟ هكذا شاهدنا السفيرة شيا تزور بكركي ويصدر إثر ذلك تصريح من ذلك الصرح برفض "إسقاط قائد الجيش".

في مسألة إنتخاب رئيس للجمهورية، كان موقف الجهات التي زارتها مؤخراً السفيرة شيا سلبياً، لم تتحرك بكركي ولا نواب حزب القوات للتفاهم مع رئيس مجلس النواب، لإيجاد مخرج  لأزمة الرئاسة المعقدة. كما رفضوا دعوته للحوار حول الموضوع. لكن في مسألة قائد الجيش، سارع وفد نواب القوات، باسمهم وباسم بكركي للبحث مع رئيس مجلس النواب، في عقد جلسة للتمديد لقائد الجيش.بما يؤكد أولوية هذا البند، عند السفيرة الأميركية وحزب القوات وبكركي. وهذا سوف يحرج الجهات التي كانت تعارض التمديد لقائد الجيش، إذا قررت التراجع عن موقفها هذا.  

      ومن المعروف بالنسبة للقاصي والداني، أن زمام ومقاليد الحكم في لبنان هي في أيدي السفيرة الأميركية، التي تتصرف كمندوب سامي، تأمر في ما تراه مصلحة لبلادها، التي الغت علنياً كل المسافات بينها وبين المصلحة "الإسرائيلية"؛ وباتت أميركا هي "إسرائيل" و"إسرائيل" هي أميركا. فقرار مفاصل الحكم الأساسية في لبنان يخضع للإرادة الأميركية. وعندما نقول أن القرار الفعلي في البلاد، هي لمن يمسك بمقاليد السلطة والثروة والسلاح ، فاننا نجد الأميركي هو الآمرالناهي في هذه المراكز. والمقصود بتلك المراكز تحديداً هو: رئاسة الجمهورية كرمز للسلطة والحكم، حاكمية مصرف لبنان، كرمز لسلطة المال؛ وقيادة الجيش كرمز لسلطة السلاح. وعندما نقل إتفاق الطائف بعض صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء، جرى تطويب منصب رئاسة الحكومة لمن يدين بالولاء للمملكة السعودية، التي تتبع السياسات الأميركية ولا تخرج عن طوعها، فهي تحتمي بها من أعداء الداخل والخارج، حتى الساعة.

والمسؤولون اللبنانيون، خوفاً على مصالحهم الشخصية وخشية العقوبات الأميركية، لا يتجرؤون على اتخاذ موقف يخالف السياسات الأميركية. وفي ما خصّ سلطة المال، فإن القاصي والداني يعلم أن أحداً لم يجروء على محاسبة ومعاقبة حاكم مصرف لبنان السابق، رغم الجرائم المالية التي ارتكبها، يكفيه أنه في ظل حاكميته تراجعت قيمة العملة الوطنية حوالى مائة مرة. وجرت سرقة أموال المودعين، بالتواطوء بينه وبين جمعية أصحاب المصارف وزعماء السياسة والطوائف الذين يتولون الحكم.

أما سلطة الحكم، أي رئاسة الجمهورية، فإن مشكلة سليمان فرنجية مع معارضي وصوله إليها، أنه صديق لسورية ولا يعادي المقاومة. وهذا يتعارض مع السياسة الأميركية المتبعة.

تبقى قيادة الجيش، التي تمثل سلطة السلاح في الحكم والدولة. وهنا تبرز العلاقات الخاصة التي تربط قيادة الجيش مع الأميركيين، بكل من تبوأ هذا المنصب، باستثناء الرئيس المقاوم إميل لحود.

وللدلالة على هذه العلاقات، تجدر الإشارة إلى التسهيلات العسكرية التي توفرها السلطات اللبنانية للأميركيين، في القواعد العسكرية الجوية وفي مختلف ثكنات الجيش، التي لا يغيب عنها المستشارون الأميركيون. فيما تحول مطار حامات إلى قاعدة عسكرية أميركية، بكل ما للكلمة من معنى. في وقت يجري فيه تحويل السفارة الأميركية في عوكر، إلى مدينة عسكرية أميركية ضخمة، تشبه المنطقة الخضراء في بغداد، فهي تتكون من مبانٍ عديدة تمتد على مساحات واسعة، بنيت بأيد عاملة غريبة. وهناك وقائع عن الوجود العسكري والأمني الأميركي في لبنان، تحتاج إلى صفحات لشرح تفاصيله وتفنيد عديده ومهامه. كل ذلك، مقابل دعم عيني للجيش لا يتجاوز المائتي مليون دولار سنوياً، من الأسلحة والآليات المستعملة، التي أحالها الجيش الأميركي إلى التقاعد، بعدما تخطاها الزمن وأصبحت خردة. إضافة إلى منحة المائة دولار لكل عسكري شهرياً.

كذلك تبرز الهيمنة الأميركية في منع الجيش اللبناني من الحصول على أسلحة أو دعم من دول أخرى، لا يرضى الأميركي عنها مثل روسيا وإيران. وفي منعه لإستعمال السلاح الأميركي ضد العدو ألإسرائيلي". وحادثة شجرة العديسة ماثلة أمامنا. وأخيراً أضيفت فضيحة وجود قوات بريطانية تتدرب في لبنان، لإخراج الرهائن البريطانيين من غزة؛ كشفت عنه صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، التي نقلت عن رئيس الأركان العامة البريطاني، الجنرال باتريك ساندرز، قوله أمام لجنة الدفاع بمجلس العموم البريطاني، أن القوات البريطانيّة "تستعدّ للقيام بعمليات استخراج غير قتاليّة، في أجزاء من المنطقة ". وإنّ وجود القوات البريطانيّة بالقرب من "إسرائيل"، يهدف أيضاً إلى "ردع" إيران عن الدخول في الصراع مباشرة.

واللافت أن أصوات المحسوبين على السفارة الأميركية، تذكرت مؤخرا القرار 1701 وبدأت تطالب بتطبيقه، متجاهلة أنها صمتت طوال السنوات السابقة، عن الإعتداءات "الإسرائيلية" في البر والجو والبحر؛ وفي قتلها لمدنيين لبنانيين بعضهم رعاة، لمجرد إقترابهم من الشريط الحدودي. ولا ننسى السعي الأميركي المكشوف لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بدلاً من إعادتهم إلى أرضهم وبيوتهم السليبة، التي يحتلها مستوطنون قدموا من آخر بقاع الأرض. وكذلك عملها على دمج المعارضين السوريين في البيئة اللبنانية، ليكونوا أداة غب الطلب لإستعمالهم ضد دولتهم،  أو ضد لبنان، خدمة لأطماع ومشاريع الهيمنة الغربية والصهيونية. فهل آن الأوان لإطلاق مقاومة ضد هذا الإحتلال الأميركي المتعدد الأوجه للبنان؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل