مقالات مختارة
بعد انقضاء شهر على عدوان «إسرائيل» الواسع النطاق على قطاع غزة، وإمعانها في استخدام القوة العسكرية المفرطة، وإطلاق يد جيشها للقيام بشكل متعمّد وممنهج، بإبادة جماعية لسكان غزة، وتدمير شامل استهدف كامل الأحياء السكنية في القطاع، ومؤسساته المدنية، من مدارس، ومستشفيات، ودور عبادة، ومراكز إعلامية، وقتل وجرح عشرات الآلاف من السكان الآمنين، وبعد أن فشل جيش دولة الإرهاب، في تحقيق أهدافه في الميدان، أو كسر إرادة شعب وروح النضال فيه، وفشله في التوغل البرّي في قطاع غزة، أطلّ علينا ما يُسمّى وزير «التراث» في الحكومة الإسرائيلية عميحاي الياهو، ليعرب «عن تأييده قصف القطاع بقنبلة ذرية، وأنّ مقتل الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس جزء من ثمن الحرب.»
فيما نشطاء وحقوقيّون عالميّون أدانوا دعوة وزير «التراث»، ووصفوا كلامه بـ «الجنون والهلوسة».
يجيء هذا الكلام لـ الياهو الذي يختزن في داخله، ويجسّد روح وقمة الإجرام، ليؤكد رسمياً، دون أدنى شك، على امتلاك دولة الإرهاب للسلاح النووي .
رغم أنّ «إسرائيل» ظلت تلتزم الصمت حول برنامجها النووي الذي بدأ نشاطه منذ الخمسينيات من القرن الماضي، عمدت طيلة هذه الفترة، الى ممارسة سياسة التعتيم على برنامجها النووي.
في الوقت الذي رفضت فيه الانضمام الى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، والتوقيع عليها، أسوة بدول غربي آسيا، التي وقعت عليها، بما فيها الدول العربية، وتركيا وإيران، ما جعل في ما بعد المنشآت النووية الإسرائيلية خارج التفتيش والمراقبة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لقد سبق لمردخاي فعنونو، وهو فنيّ نوويّ، أن عمل في مفاعل ديمونا النووي، في منشأة «ماشوف2» المبنية تحت سطح الأرض والمخصصة لإنتاج مواد البلوتونيوم والليثيوم والبريليوم التي تدخل في صناعة الأسلحة الذرية، أن كشف النقاب عن البرنامج العسكري السري لـ «إسرائيل»، بعد تصويره لأجزاء حساسة داخل المفاعل النووي، بواسطة كاميرا، قام بتهريبها في ما بعد من «إسرائيل» الى أستراليا، حيث بلغ عدد الصور التي التقطها 60 صورة.
فعنونو كشف بوضوح لا لبس فيه، البرنامج العسكري النووي الإسرائيلي للصحافة البريطانية عام 1985. وبعد أن عرض الصور على صحافي بريطاني، قامت صحيفة «ساندي تايمز»
البريطانية، بتكليفه بعرض الصور على خبير بالسلاح النووي. وبعد عرض الصور على هذا الأخير، والتدقيق بها، تبيّن له دقة المعلومات، وقطع الشك باليقين، أنه من الواضح انّ «إسرائيل»، تمتلك ترسانة نووية متقدمة جداً، تحتوي على ما بين 100 الى 200 رأس نووي (حتى عام 1986)، ما جعل تصنيف «إسرائيل» كسادس أقوى قوة نووية عالمية في ذلك الحين.
مردخاي فعنونو الشيوعيّ الذي حمل في داخله نزعة للسلام، والعامل في المنشآت النووية، كان الإسرائيلي الأول الذي تعمّد فضح أهداف «إسرائيل» العسكرية وترسانتها النووية…
أما الثاني، فهو وزير «التراث» الإرهابي عميحاي الياهو الذي طالب باستخدام السلاح الذري، وهو الذي يختزن في داخله سلوك وحقد وإجرام القادة الصهاينة، ونزعتهم العدوانيّة العنصريّة، وعدم تردّدهم في استخدام القنبلة الذرية، في الوقت المناسب لهم، وحين تدعو الحاجة.
فأين الدول العربية، وتركيا وإيران من دعوة الياهو، وبالذات من الترسانة النووية الإسرائيلية، وما تبيّته من تهديد دائم وخطر للمنطقة كلها؟! ألا تشكل مطالبة وزير «التراث» الإسرائيلي صدمة وتحذيراً، وتنبيهاً قوياً لدول غربي آسيا، لتدفعها الى مراجعة الحسابات والنيات التي ترتبط بأهداف وسلوك «إسرائيل» وتهديدها الدائم للأمن القومي لدول غربي آسيا؟!
في عام 2003، أصدر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي فتوى يحرّم فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة النووية، والكيميائية، والبكتريولوجية. وقد نشرت هذه الفتوى بلغات عديدة على موقعه يبيّن فيها معارضته الشديدة للأسلحة النووية استنادًا الى المبادئ القانونية، والأخلاقية والدينية، والإسلامية.
صحيح أنّ منطقة غربي آسيا بدولها العربية، وإيران، وتركيا، لا نية لها في صنع السلاح النووي لاعتبارات عديدة. لا سيما تركيا التي تتظلل بالحلف الأطلسي، وتحظى بحمايته وفقاً لنصوص اتفاقية الحلف لجهة مبدأ الدفاع المشترك بين أعضائه.
لكن أن يكون هناك في هذه المنطقة دولة عدوانية، توسعية، مارقة، ضاربة عرض الحائط بالقانون الدولي، وبقرارات الأمم المتحدة، مدجّجة بكافة أسلحة الدمار الشامل، بما فيها السلاح النووي والجرثومي، وتقوم بإبادة جماعية، وتدمير شامل لقطاع غزة بأكمله باسلحة تقليدية فتاكة، جعل من قوة التدمير لكمية القنابل التي ألقيت على قطاع غزة، ما يوازي حتى الآن القوة التدميرية لأكثر من قنبلتين نوويتين ذريّتين، كاللتين ألقيتا على هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين يومي 6 و9 آب 1945.
وبعد كلّ هذا التدمير الهائل لقطاع غزة، أطلّ علينا وزير «التراث الإرهابي» عميحاي الياهو بكلّ وقاحة، بنزعته الإجرامية العنصرية، مطالباً بإلقاء قنبلة ذرية على غزة، وكأنّ ما فعلته «إسرائيل» في قطاع غزة لا يكفي ولا يشفي غليلها وحقدها في تدمير قطاع بأكمله، وإبادة أكثر من عشرة آلاف شهيد وشهيدة!!
في عالم متوحّش تسود فيه قوى الهيمنة والتسلط، والعدوان، التي تستند في عقيدتها وسلوكها الى منطق القوة، عالم المستبدين الذي لا مكان فيه للضعفاء، والمتمسكين بالقيم الأخلاقية، والدينية، وبالقانون الدولي، وشرعة حقوق الإنسان.
قوى الاستبداد والتسلط في العالم لا تعير أي أهمية للشعوب الناهضة، التي تحترم وتلتزم بالمواثيق الدولية، والمبادئ الأخلاقية والإنسانية. ما يهمّها، هو مصالحها، ونفوذها، والقضاء على أيّ طموح للدول المستضعفة، وإجهاض ايّ سياسة تحررية، وطنية، مستقلة تتبعها، من أجل تعزيز سيادتها الكاملة، وأمنها، وتنميتها، وتقدّمها.
ها هو وزير الخارجية الأميركية الأسبق جون كيري، بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة 5+1 يقول: «الهدف الوحيد الذي أوصلنا الى جنيف، يبقى هو الهدف الى ان نغادر جنيف، وهو عدم امتلاك إيران للسلاح النووي ونحن مصرّون على ذلك»! هذه هي عيون الغرب الوقحة التي ترى بمنظارين مختلفين وهو يتعاطى مع حقوق الشعوب الحرة وقضاياها العادلة!
عيون الغرب على البرنامج النووي الإيراني، وعلى البرامج النووية السلمية للعرب، فأين عيون واشنطن ولندن وباريس، وبرلين، «حماة» و»رعاة» الحرية والسلام من أسلحة الدمار الشامل التي بحوزة الكيان الإسرائيلي؟! وهل يجرؤ زعيم في الغرب، يمتلك الحدّ الأدنى من المسؤولية الدولية، والأخلاقية السياسية، والشفافية والصدقية، مطالبة الكيان الإسرائيلي بإخضاع منشآته النووية للتفتيش بإشراف خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما يفعلون مع إيران وسائر الدول التي لديها برامج نووية سلمية؟! وهل يجرؤ رئيس واحد في الغرب اتخاذ إجراءات صارمة، او عقوبات ضدّ «إسرائيل» لارتكابها جرائم حرب، ولرفضها الانضمام الى معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، كما يفعلون ضد كوريا الشمالية؟!
وماذا لو أنّ مسؤولاً عربياً او إيرانياً لوّح يوماً بالسلاح النووي وإنْ لم يمتلكه ولا يسعى إليه، فماذا سيكون عندئذ ردّ فعل الطغاة، المنافقين، المنحازين الذين يدّعون «حرصهم» على السلام والأمن في هذا العالم؟!
بعد دعوة عميحاي الياهو الى إلقاء قنبلة ذرية على غزة، من يحمي بعد اليوم العرب، كلّ العرب، ومعهم إيران، من التهديد النووي الإسرائيلي الدائم، وجنون قادتها في اللجوء الى استخدام القنبلة الذرية في أيّ وقت؟! وهل تحمي العرب وإيران من التهديد النووي الإسرائيلي الدائم المسلط عليهم، اتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل التي وقعوها، وفتوى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟!
سؤال «بريء» برسم كلّ الدول العربية وإيران…؟!
عدنان منصور ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً