مقالات مختارة
منذ مئة عام وأكثر يعيش العالم العربي حالة من الغليان وعدم الاستقرار تتصاعد حيناً من الزمن وتهدأ قليلاً لتعود لتشهد ثورات شعبية من خلال التظاهرات والاحتجاجات كما حصل في العام 1936 بقيادة الشهيد الشيخ عزالدين القسام في فلسطين، بهدف التصدي للاحتلال الإنكليزي ومواجهة مشاريعه التآمرية التي تنال من أرضه وكرامته ووجوده في المنطقة منذ آلاف السنين.
وعد آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا في 2-11-1926 كان أحد المشاريع، والذي أعلن فيه تعهد بلاده إنشا "وطن قومي لليهود في فلسطين"، على حساب الشعب الفلسطيني أولاً، والشعوب العربية؛ الإسلامية منها والمسيحية.
الشعب الفلسطيني قام ولا يزال بمواجهة مختلف المشاريع والخطط، وكانت له جولات وصولات من أشكال المقاومة المتاحة، ومنها المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الانكليزي وتحركاته المساندة لتنفيذ وعد بلفور من خلال استجلاب قطعان المستوطنين من مختلف أقطار العالم، خصوصاً الفارين من ويلات نتائج الحرب العالمية الاولى والثانية، والتي استغلت بقوة للبدء عملياً في حملة تهجير اليهود الغربيين من دولهم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، لسببين، الأول: وهو للتخلّص منهم بسبب افعالهم المشينة اجتماعياً واقتصادياً بحق الآخرين من مواطنيهم، والسبب الثاني هو إنشاء ثكنة عسكرية تحقق مصالح الطرفين، ولها وظيفة واضحة وصريحة، وهي نهب ثروات العالم العربي.
وعد بلفور كان له أثر قوي في دفع المنظمات الصهيونية لتحقيق أهدافها وتشجيع الهجرة إلى فلسطين، وترافق ذلك مع وعد آخر كان مفعوله يعادل وعد بلفور، إن لم نقل أهم وأقوى، وهو إقرار واعتراف عبد العزيز بني سعود في العام 1915 للجنرال بيرسي كوكس، الذي عُرف لاحقاً بالرجل الذي هندس الخليج العربي، بعد إخضاع رجال القبائل، ووعدهم بإنشاء ممالك ودول لهم بشرط تنفيذ سياسة بريطانيا، وحفظ مصالح الغرب في المنطقة.
ورد في الإقرار والاعتراف: "أنا السلطان عبد العزيز أُقرّ واعترف وألف مرة للسير بيريب كوكس مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من اعطاء فلسطين للمساكين اليهود او غيرهم كما تراه بريطانيا التي لا اخرج عن رأيها حتى تصبح الساعة".
هذا الإقرار والاعتراف لا يزال سار المفعول مع أبناء وأحفاد عبد العزيز في سياستهم تجاه القضايا العربية، خصوصاً القضية الفلسطينية منذ العام 1948 والتحالف غير العلن مع الكيان الصهيوني.
ما نشهده اليوم من انحياز كامل لصالح العدو الصهيوني في المواقف السياسية، وفتح القواعد الأميركية لقصف قطاع غزة، ووصف المقاومة الفلسطينية بالإرهابية في وسائل الاعلام الخليجية، ما هو الا دليل على انهم شركاء في الجرائم التي ترتكب حالياً في غزة، وذبح آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى.
منذ أكثر من مئة عام والشعب الفلسطيني يقدم الغالي والنفيس في سبيل تحرير أولى القبلتين ومهد السيد المسيح (عليه السلام)، والدماء الزكية ستزهر في نفوس الاحرار ليكملوا المسيرة؛ مسيرة التحرير الكامل من النهر إلى البحر.
جعفر سليم
عضو اتحاد كتاب وصحافيي فلسطين