أقلام الثبات
تصدر الكثير من التساؤلات والاتهامات الممزوجة بالعتب، أو بالتنمر، أو باللعب على الوتر الغرائزي، والتي تقول أن "غزة تركت وحيدة" وأن "المحور" تركها لمصيرها، وهناك من يتساءلون "لماذا لا يتدخل حزب الله؟".
وبغض النظر عن هوية المتسائلين المتباينة، وأهدافهم، ونياتهم، ولا مجال للخوض فيها هنا، إذ منهم مَن يسأل بحسن نية، وبعضهم يسألون أما لتوريط لبنان، أو لاستنقاذ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، والجيش الاسرائيلي من المأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمير نقلت عن مسؤولين أميركيين "أن إسرائيل عدلت خططها العسكرية بشأن غزة، بشكل يتماشى مع اقتراح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، وذلك بعدما أثارت خطط الغزو البري انزعاج المسؤولين الأميركيين، الذين أعربوا عن قلقهم من افتقار تلك الخطط إلى أهداف عسكرية قابلة للتحقيق وكذلك من عدم قدرة واستعداد القوات الإسرائيلية بعد لشن غزو بري".
وبالعودة الى حزب الله، لا شكّ أن الاتهامات التي تساق له ولـ "المحور" غير منطقية، وذلك للأسباب التالية:
- استمرار حزب الله في لبنان في إشغال ثلث الجيش الاسرائيلي على الحدود مع لبنان، مع ما يعني ذلك من استنزاف للجيش الاسرائيلي، وعدم قدرته على التحشيد لاقتحام غزة برياً. وبالرغم من تسميتها مناوشات، فإن ما يحصل على الحدود الجنوبية اللبنانية هو حرب فعلية وحقيقية، ولكن إطارها الجغرافي محدود.
- أظهر حزب الله للجميع وخاصة للبنانيين، أن اسرائيل مردوعة، ولولا هذا الردع لقامت بقصف جوّي لمناطق لبنانية واسعة رداً على استهداف قواعدها العسكرية في داخل فلسطين المحتلة، كما كانت تفعل دائماً.
- الرسائل النارية التي تمّ إرسالها الى الأميركيين، والتي دفعتهم الى نصح الاسرائيليين بعدم توسيع الحرب وعدم إعطاء ضوء أخضر لنتنياهو لشنّ حرب برّية على غزة.
- بالرغم من كل ما حصل خلال الحرب السورية، دخلت جبهة الجولان عامل ضغط إضافي على اسرائيل ومن ضمن إرسال الرسائل المحذّرة من مغبة توسيع الصراع.
- تهجير واسع وشامل للمستوطنات المحاذية للبنان، وهي المرة الأولى – منذ بداية الصراع العربي الاسرائيلي- حيث تُمنع اسرائيل من تطبيق مبدأ "أخذ الحرب إلى ديار العدو".
- الاستنزاف وعدم القدرة على الدخول البرّي الى غزة، ستسمح بظهور الانقسامات الاسرائيلية، وانهيار الجبهة الداخلية خاصة في ظل وجود عدد كبير من الاسرى الاسرائيليين في غزة، ويطالب أهلهم بإعادتهم.
في المحصلة، من المبكر الحكم على نتائج هذه الحرب التي ما زالت دائرة لغاية اليوم، لكن بكل الاحوال، ما جرى في 7 اكتوبر، سيذكره التاريخ بأنه نقطة تحوّل فاصلة، ستغيّر وجه المنطقة الى الأبد، ولن تعود اسرائيل كما كانت، كما أثبتت التطورات أن الترجيحات بأن دور حزب الله تراجع في المنطقة بعد حصول التسويات وبعد توقيع اتفاق الترسيم، أثبتت عدم صحتها، وها هي التطورات عادت وقلبت موازين القوى في المنطقة، بشكل لم يكن أحد يتوقعه.