مقالات مختارة
على الرغم من حصول "دولة" الاحتلال على ضوء أخضر للقضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة داخل قطاع غزة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية ووضع خطط عسكرية لدخول قطاع غزة برياً، فإنَّ هناك العديد من العوامل التي تجعل تحقيق هذا الهدف بعيد المنال في ظل بيئة فلسطينية وواقع عسكري معقد، إضافة إلى واقع إسرائيلي متردٍّ وتغليب للمصالح الشخصية من قبل القيادات السياسية.
جاءت معركة "طوفان الأقصى" في مرحلة غاية من الحساسية بالنسبة إلى "دولة" الاحتلال على المستوى الداخلي وسط خلافات كبيرة بين أقطاب المعارضة والائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو، ووسط ثقة معدومة بين تلك الأطراف على جميع المستويات، نتيجة تجارب سياسية مريرة لقادة المعارضة مع نتنياهو، وهو ما أفضى إلى حكومة طوارئ بمشاركة طرف واحد من المعارضة هو بيني غانتس، ورفض المشاركة من باقي الأطراف، وعدم تمكّن نتنياهو من تأليف حكومة طوارئ وطنية.
نتنياهو الذي ساد عنه انطباع لدى جميع قادة الأحزاب في "دولة" الاحتلال بأن لديه هدفاً واحداً يتمثل في البقاء على رأس الكيان، وأنه مستعد للتضحية بكل شيء في مقابل هذا الأمر وعدم ذهابه إلى المحاكمة، لم يتغير الانطباع عنه لدى قادة المعارضة.
لهذا، منذ اللحظة الأولى، دخل قادة المعركة في مفاضلة بين المشاركة وعدمها، فيما فضل عدد منهم عدم المشاركة معه في الحكومة، لقناعتهم بأنه لن يستطيع الخروج منتصراً في هذه المعركة، وأن نهاية مستقبله السياسي أمر واقع لا محالة.
لا شكّ في أن أعداء نتنياهو جميعاً في "دولة" الاحتلال بدأوا يستلون سكاكينهم لما بعد هذه الحرب لإنهاء نتنياهو إلى الأبد. وفي الوقت الذي اعترف قادة "الجيش" والأمن بمسؤوليتهم عن الفشل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، فما زال نتنياهو يرفض الاعتراف ويحاول تحميل المسؤولية، كما جرت العادة، للأطراف الأخرى، بما في ذلك الأجهزة الأمنية و"الجيش" الإسرائيلي الذي بدا واضحاً تنبّهه لتكتيكات نتنياهو للهرب من المسؤولية، إذ رد له الأمر بالقول إن "الجيش" مستعد للمناورة البرية، وإنه ينتظر تطبيق الخطط التي يضعها نتنياهو للانتصار.
من غير المرجح أن يستسلم نتنياهو لكلّ الذين يعارضونه، رغم أن الموجة هذه المرة كبيرة جداً، وهي مدعومة باستطلاعات رأي كبيرة تحمله المسؤولية. وما يدلّ على ذلك هو أن حملات دعم نتنياهو بدأها مقربون منه، وعلى رأسهم مستشاره الإعلامي السابق ران بيرتس الذي يقود حملة الآن لتحسين صورة نتنياهو وتحميل الآخرين المسؤولية. والحديث أنّ الهجوم البري فخ موت ليس للجنود فحسب، بل لكل مواطني الكيان أيضاً.
وعلى الرغم من أنَّ المجتمع الإسرائيلي منذ اليوم الأول لمعركة "طوفان الأقصى" تم تجنيده خلف القيادة السياسية والعسكرية تحت بند "الخطر الوجودي" الذي يتهدد "دولة" الاحتلال، فمع الوقت بدأت مختلف الأطراف تستفيق وتقول: ماذا حدث؟ ومن المسؤول عنه؟ وهو الأمر نفسه الذي فجَّر الخلافات بين نتنياهو المستوى العسكري وأطراف داخل الحكومة والمجلس الوزاري المصغر، وأيضاً مع المعارضة.
وما زاد الطين بلة هو قضية الأسرى والجنود الذين وقعوا في يد المقاومة، ففي الوقت الذي يحاول نتنياهو تجنيد الجميع تحت قضية القضاء على حماس والخطر الوجودي، بدأت تتعالى الأصوات التي تنادي بإبرام صفقة تبادل مع المقاومة، على اعتبار أن هذه الصفقة إن لم تأتِ في البداية فستأتي بالنهاية. وفي البداية، سيكون الخطر على الأسرى أقل كثيراً.
وبعدما استفاقت جميع الأطراف ظهرت الخلافات. وقد كثرت التسريبات حول الخلافات بين نتنياهو و"الجيش" أيضاً. ومن يتابع التصريحات المتتالية حول العمل المشترك والتزام "الجيش" بقرارات المستوى السياسي يدرك جيداً أن الخلافات حقيقية وعميقة، وأن التصريحات حول العمل المشترك التي تصدر حالياً لا تريد إظهار "إسرائيل" ضعيفة ومفككة داخلياً أمام الإدارة الأميركية والداعمين الغربيين لها.
المطالبات بالاستقالات طالت الجميع في "دولة" الاحتلال، بدءاً من قيادة جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" والاستخبارات العسكرية "أمان" ورئيس هيئة الأركان وقائد المنطقة الجنوبية في "الجيش" ووزير "الجيش" يؤاف غالنت ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لهذا، يعيش نتنياهو حالياً في مأزق كبير، ويريد إطالة أمد الحرب وتوريط الأطراف الأخرى قبل إيقافها، وأن يظهر بمظهر المنتصر والمنقذ لـ"إسرائيل" كعادته.
يدرك نتنياهو جيداً أن حالة المراوحة في المكان التي تعيشها "دولة" الاحتلال منذ 3 أسابيع ستدفع الجبهة الداخلية لديه لتغيير وجهتها مع الوقت من قضية القضاء على حماس والمقاومة إلى المطالبة بالعودة إلى الحياة الطبيعية في ظل الضغط الكبير الذي تتعرض له وتوقف عجلة الاقتصاد والإشكاليات العميقة هناك، مع ضمان ردع المقاومة في غزة لسنوات طويلة. هذه الحالة، بحسب نتنياهو، ستكون المخرج بعد تصويره أنَّ الدمار الذي حدث في غزة سيكون رادعاً لها ولغيرها لعشرات السنوات.
أيمن الرفاتي ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً