الثبات - مقالات
إسرائيل تحفر قبرها بيدها
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود فيقتل المسلمون اليهود حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعالى فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود".
أيها الإخوة لاشك أن في الناس من إذا سمع هذا الحديث ذهب به العجب منه مذهباً قد يوصله إلى الإنكار، لعله يقول ما شأن الحجر والشجر وما علاقته بما يفعله اليهود وليس له من شعور بشيء من ذلك ولكني أقول لكم إذا أراد الله شيئاً هيَّأَ أسبابه، إذا لم يحن بعد وقت ظهور الشيء الذي أراده الله عز وجل وسمعه الناس غيباً ربما عجبوا منه واستبعدوه لأن الله عز وجل لم يهَيِّئ أسباب هذا الأمر بعد ولكن عندما يخلق الله مقدماته ويهيِّئ أسبابه يزول العجب.
أرأيتم لو أن في الناس قال قبل سنوات إن الغرب بشطريه الأوروبي والأمريكي سيثور على الصهيونية العالمية وعلى إسرائيل ولسوف يتخذ من كلٍّ منهما موقف المؤدب والزاجر إذاً لذهب العجب بهؤلاء الناس أيضاً إلى حدِّ الإنكار ربما، ولربما قال قائل الغرب يقف من إسرائيل والصهيونية العالمية موقف الثائر المؤدب ونحن نرى أن الغرب ليس إلا خاتماً ذليلاً في إصْبِعِ إسرائيل تفعل بهذا الخاتم ما تشاء وتقلبه كيفما تريد! ولكني أعود فأقول لكم إذا أراد الله شيئاً هيَّأ أسبابه ومن ثم يزول العجب.
إنكم تعلمون أن الشارع الغربي كان ولا يزال يستبطن كراهية ما مثلها، لا أقول للصهيونية العالمية وإسرائيل فقط بل لليهود قاطبة، ولكن الرجل الغربي لم يكن قادراً على أن يبوح بهذه الكراهية ذلك لأن السياسة التي زمامها بيد الصهيونية العالمية كانت تكمم الأفواه وكانت تمنع الإنسان الغربي من أن يبوح بغيظه وبكراهيته الشديدة للصهيونية العالمية ولإسرائيل ولكني أقول مرة ثالثة إذا أراد الله شيئاً هيَّأ أسبابه، لقد سمعت كل ذي أذن ورأى كل ذي عينين الوحشية الضارية التي تزلزل لها دماغ التاريخ وفكره، هذه الوحشية التي لم يكن في العالم كله طاغٍ أو باغٍ يستطيع أن يضرب بها المثل الأعتى الذي ضربت به إسرائيل اليوم. ها أنتم ترون كيف تحولت غزة إلى نهر من الدماء تعوم فيه أشلاء الأطفال، أشلاء النساء، ها أنتم سمعتم وربما رأيتم كيف أن رجالاً من رجال الدين كانوا يباركون هذا الإجرام الوحشي الذي تزلزل له كيان التاريخ كله، هذه الوحشية ضجَّ لها الشجر والحجر أجل، ضجَّ منها الشجر والحجر وكان ذلك سبباً أو مقدمة بين يدي الحقيقة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
نظرنا وإذا بالأمر البعيد أصبح قريباً، وإذا بالشأن العَجَب أصبح أمراً طبيعياً، نظرنا إلى الإنسان الغربي وإذا بالكراهية التي كانت دفينة وراء صدره أصبح يزمجر بها في كل صعيد، إذا بالغيظ الذي كان كامناً بين جوانحه وأعود فأقول لكم، أقول هذا عن الغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي، عادت الأفواه تنطق وتعلن عن هذا الغيظ الكامن، عن هذه الكراهية، أجل هذا الذي رأيناه وسمعناه، كانت السياسة من قبل تكمم الأفواه ولكن بركان الغضب فَجَّر هذا السَّدَّ السياسي، لم تعد السياسة تستطيع أن تكمم فماً ولم تعد تستطيع أن تمنع الشارعَ الغربي من أن يستعلن بمشاعره التي كانت وظلت إلى أمدٍ ما خفية.
هذا الذي نراه أمامنا اليوم يا عباد الله يجلِّي لنا حكمة رب العالمين إذ يقول: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [ [البقرة: 251]، وكم وكم وراء هذه الجملة البليغة القرآنية من معانٍ يضيق الوقت عن بيانها ولكن الأحداث ستكشفها وتضع منها النقاط على الحروف. الشجر والحجر لقد ضجَّ كلٌّ منهما من الوحشية التي لا يستطيع البيان أن يصفها، يذوب البيان قبل أن ينطق به اللسان، أجل، ومن قال إن الشجر والحجر لا يملكان شعوراً؟ إذا طفَّ الصاع وتحولت الوحشية أو الإجرام إلى هذه الحال التي يذهل لها التاريخ فإن الأمر يهم الشجر ويهم الحجر وصدق الله عز وجل القائل: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [الحشر: 21]، وصدق الله عز وجل القائل: (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [البقرة: 74] هذا البيان الإلهي يكون غريباً عن الأذهان وعن الأسماع ولكن عندما يحين تنفيذ الله عز وجل لوعده يتحقق المناخ الذي يقرب البعيد والذي يجعل الأمر العجيب أمراً كما قلت لكم طبيعياً.
أقول لكم وأنا المسؤول عن هذا الكلام لن تجدوا الغرب بعد اليوم يخفي مشاعره تجاه هذا العدو الأرعن للإنسانية بل للجنس البشري، لقد أخفى مشاعره وصبر أمداً من الزمن إذا كان قُفْلُ السياسة هو الذي يكمم فمه لكن بركان الغضب المزمجر تغلب اليوم على أقفال السياسة الغربية كلها، ومن هنا فإن العقلاء كلهم يعلمون أن إسرائيل فما فعلت إلى الأمس في غزة مما تعرفون ومما لا أريد أن أصفه إنما كانت تحفر بذلك قبرها ولسوف يدفنها الغرب في هذا القبر، عَلِمَ ذلك من علم وجهله من جهل.
وهذا الذي أقوله لكم هو الذي يزيل العجب ويزيل الاستغراب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتل المسلمون اليهود حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعالى فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.
العجب مما فعلت إسرائيل يكافئ العجب مما قاله رسول الله، العجب من هذا الذي أقدمت عليه إسرائيل ليس أقلَّ أبداً من العجب الذي أنبأ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ينطق الشجر وينطق الحجر ثائراً على هذه الوحشية يهيب بالمسلم أن يقوم فيثأر للعدل، يثأر للإنسانية، يثأر للطفولة، يثأر للدماء الزكية، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها وينبغي أن نزداد إيماناً بكل ما أنبأ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
من خطبة الجمعة في المسجد الأموي الكبير
بتاريخ: 23/01/2009