معركة الرأي العام 
واتجاهات الريح

السبت 21 تشرين الأول , 2023 09:04 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

– مع مرور أسبوعين على عملية طوفان الأقصى، لا يبدو كيان الاحتلال قد التقط أنفاسه وأعاد ترتيب أوراقه، ليستردّ زمام المبادرة، ذلك أن الاستنفار الغربي وعلى رأسه هذا الحضور الأميركي المباشر على أعلى مستوى ممكن سياسياً وعسكرياً ومالياً وإعلامياً، لم ينجح في تمكين كيان الاحتلال من رسم خريطة طريق واضحة للخروج من المأزق الذي أدخلته فيه عملية طوفان الأقصى، بل يمكن القول إن الأداء السياسي والعسكري للكيان بمستوياته السياسية والعسكرية، تسبب بتعميق هذا المأزق. فالوجه الوحيد الحاضر من هذا الأداء هو سياسياً خطة تهجير سكان غزة، وعسكرياً هو المجازر الدموية والحصار والتجويع وقطع الدواء والكهرباء عن سكان غزة، في أكبر سجن جماعي وأشنع عملية عقاب جماعي، عبر التاريخ المعاصر، حيث تكفل مشروع التهجير بتفجير الحلف العربي الذي كان الأميركي يراهن على تجنيده لحماية الكيان من ارتدادات هزيمته في عملية طوفان الأقصى، بعدما استفزّ المشروع مصر والأردن والسعودية وتسبب بإلغاء القمة الرباعية للرئيس الأميركي مع الرئيسين المصري والفلسطيني والملك الأردني، بينما تكفل القتل والتدمير بلا ضوابط باستثارة الرأي العام العربي والدولي إلى الشارع بكثافة مفاجئة وغير مسبوقة منذ زمن طويل، بصورة أعادت الرأي العام لاعباً لا يمكن تجاهله، في حسابات المواجهة، وفي حسابات الحكومات العربية والغربية.

– في قلب هذا المشهد الجديد على مستوى الرأي العام، من اللافت ثلاثة عناصر جديرة بالاهتمام، الأول هو حجم الحشود الهائلة التي يصعب تجاهل تأثيرها على مواقف الحكومات، خصوصاً أنها تنطلق على إيقاع حدث مستمر وآخر قيد التشكّل، وذلك أن الاعتداءات مستمرة على غزة، وربما يكون ما يُعدّ لها أشد وأقسى، وهذا يعني أن ما رأيناه سيتواصل ويستمرّ وهو مرشح للتصاعد. أما العنصر الثاني فهو ظهور هذه التحركات في عواصم ومدن لها خصوصية ورمزية وزن وتأثير، من نوع خاص. وهنا يمكن التحدث على سبيل المثال عربياً عن عمان والقاهرة والرباط، حيث الحكومات تقيم علاقات مباشرة مع كيان الاحتلال وتجاهر بوقوفها تحت سقف السياسات الأميركية. وهذه العواصم هي رمزيات محورية في الصراع مع كيان الاحتلال. مصر إضافة لكونها أكبر الدول العربية، هي الجار الوحيد لغزة. والأردن هو راعي المقدسات وهو جار فلسطين من الجهة الشرقيّة وخزان أكبر تجمّع فلسطيني والدولة هي الراعي الرسمي للمقدسات في القدس المحتلة. والمغرب هو رئيس لجنة المسجد الأقصى، وكلما نجح الشارع بفرض إيقاع أشد قوة على الحكومات رسمت ملامح سياسات عربية من نوع آخر، ذات ترجمات عملية، وليست مجرد مواقف سياسية. أما العنصر الثالث فهو عودة العافية الى الشارع العربي، حيث ظهرت في كل التظاهرات والعواصم مجدداً صور للسيد حسن نصرالله ونداءات ومناشدات لحزب الله للتدخل القويّ والحاسم الى جانب غزة. وهذا يعني بدء تعافي الشارع العربي من مرض المذهبيّة العضال، ومن تاريخ التعبئة المرضية التي شنّت لتشويه المقاومة وقائدها وشيطنتهما في العقول العربيّة، وهذا يعني أننا سوف نشهد مع تقدّم أيام المعركة المزيد من اللحمة بين الشارع العربي وقيادة المقاومة بشخص السيد نصرالله.

– يحدث هذا التحوّل في الرأي العام، لأن المقاومة في غزة ولبنان عرفت كيف تدير معركتها السياسية والعسكرية والإعلامية، فلم تتسرّع في الذهاب إلى مداخلات كبرى لمحور المقاومة، وعلى رأسه حزب الله، فحافظت على برودة أعصابها، رغم محاولات الإحراج والاستدراج والاستفزاز، فبقي عنوان المعركة فلسطين ومقاومتها وشعبها في مواجهة كيان الاحتلال، وجاء الغرب ينتصر للكيان، وبقي العنوان فلسطين وشعبها ومقاومتها، فلم تفلح محاولات استنهاض آلة التعبئة التي تمّ تحضيرها وتفعيلها على مدى سنوات لمخاطبة الشارعين العربي والغربي، بأن المواجهة تدور مع إيران وحزب الله، واستثمار كل الدعاية المضادة لهما سواء على الصعيد المذهبي أو الحديث عن مشروع إيراني. وها هي القضية عارية لا لبس فيها، فلسطين تقاتل وتُذبح وتصمد فأين أنتم؟ وإيران ومحور المقاومة وحزب الله مستعدّون لتوسيع نطاق التدخل فهل تريدون منهم أن يفعلوا ذلك؟ هذا بالنسبة للشارع العربي والإسلامي. أما في الشارع الغربي، فإن إيران وحزب الله ليسا هما العنوان بل غزة وحماس، ولم تنفع الروايات المزوّرة بتبرئة كيان الاحتلال، وتوفير التضامن معه، فخرج الشارع الغربي متدفقاً يهتف لفلسطين، وفلسطين ذاكرة عميقة في الشارع الغربي ومنتدياته وهيئاته المدنية، بما فيها الليبرالية واليسارية، وكلما تأخرت لحظة انخراط جبهات أخرى في حرب غزة، تراكم هذا السياق وتجذر وبات عصياً على الارتداد ومتفهماً لنصرة غزة، عندما يصبح توسيع الجبهات ضرورياً لحمايتها.

 

ناصر قنديل ـ البناء

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل