مقالات مختارة
– يتوزع الجمهور اللبناني ومثله الجمهور العربي في مخاطبة المقاومة، بين تيارين متطرفين، يفرض وجودهما حجم الحدث الكبير، بل الزلزال الذي يعصف بالمنطقة، بارتدادات متتابعة، من طوفان الأقصى وصولاً الى مجزرة مستشفى المعمداني، وما بينهما من حضور أميركي مباشر سواء عبر حاملات الطائرات أو حضور المسؤولين الأميركيين على أعلى المستويات، من الرئيس جو بايدن إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيوش الأميركية الجنرال مايك ميلي، إضافة لقيادات عسكرية تنفيذية.
– التيار الأول ويطغى على تكوينه اللبنانيون، الذين ينتمون تقليدياً إلى التيار المناوئ للمقاومة، لكنه وهو يرفض أي مشاركة في الدفاع عن غزة إذا اقتضى الأمر ذلك لحمايتها، يردد أصحابه معادلة «ما خصنا»، وينطلق أصحابه من وضع لبنان الاقتصادي والسياسي الهش، ومن القلق من حجم مخاطر الانزلاق إلى حرب كبرى يدفع لبنان خلالها أثماناً باهظة، دون أن ينفي ذلك أن بعض هؤلاء هم عقائدياً ضد منهج المقاومة ومحورها، وبعضهم لا يمانع بأن يوصف كامتداد للحلف الذي تقوده واشنطن ويضم تل أبيب. والوسطيون منهم يقفون تحت راية الموقف العربي الرسمي، الذي يكتفي بالبيانات ولا يهمه كيف سوف تنتهي الحرب في غزة، صمود وانتصار، أو بتغيير المعادلات والخرائط لصالح كيان الاحتلال.
– التيار الثاني يتشكل من مصدرين، الأول هو تيار عفوي شعبي صادق منتشر في الشارع العربي الذي حسم أمره من لا جدوى الرهان على النظام العربي الرسمي ومكوّناته، وله أمل وثقة كبيران بمحور المقاومة، وخصوصاً بمقاومة حزب الله وقائده السيد حسن نصرالله. والثاني تيار سياسي مؤدلج يقف غالباً وراء الأنظمة ويقدمها مثالاً في مواجهة نموذج المقاومة، ويستخدم شعار «شو ناطرين» بهدف التشكيك بصدقية المقاومة، وبنية الدفع نحو التوريط بمعركة قبل أوانها أو بغير شروطها، بخلفية خبيثة. ويلتقي التياران عند أسئلة واحدة، محورها نوعان، يدور النوع الأول حول حجم المذبحة التي تتعرّض لها غزة، وكم من الشهداء يجب أن يسقط حتى يحرّك حزب الله صواريخه ويدخل الحرب الكبرى، بينما يدور النوع الثاني حول اعتبار ما جرى في طوفان القدس وما كشفه من وهن كيان الاحتلال وجيشه، وما يجري على جبهات غزة، يمثل فرصة لإنهاء الكيان وخوض المواجهة الفاصلة معه يجب ألا تضيع.
– في الجواب على تيار ما خصّنا، وغالبيته اللبنانية، يجب التأكيد على أن المقاومة في لبنان منتبهة كثيراً لمخاطر الحرب وتسعى لتفاديها، والحرب الكبرى ليست أولويتها ولا هدفها، وهي تقوم بتشغيل جبهات المواجهة لسببين، الأول إرباك وإنهاك جيش الإحتلال كي لا يرمي بكل ثقله على غزة مستفرداً بها، وها هو ثلث جيش الاحتلال متفرغ لجبهة جنوب لبنان، وقيادته مرتبكة في خياراتها تجاه العمل العسكري في غزة لأنها لا تملك جواباً على سؤال، متى وفي ظل أي شروط يمكن لجبهة لبنان أن تشتعل بصورة كاملة وبعيدة المدى، وما ترغبه المقاومة هو أن يكون ذلك كافياً لتجنيب غزة المذبحة الكبرى، وإن لجأ الاحتلال الى العملية البرية فما لدى المقاومة يقول بأن المقاومة في غزة قد أعدّت واستعدّت بما يكفي لجعل التوغل بري مقتلة لجيش الاحتلال ومجزرة لدباباته، لكن ماذا لو سلك الاحتلال طريق المذابح المتلاحقة سعياً لتهجير غزة، مستخدماً طاقته النارية المتفوّقة، التي لا يوقفها في ظل التخلي العربي والتخاذل عن نصرة غزة، الا المقاومة في لبنان ومن خلفها محور المقاومة، والعرب الذين حرضوا على إسقاط سورية وأرسلوا نصف مليون جندوهم ومولوهم من أنحاء الدنيا للقتال والقتل فيها وأخذ شيوخهم الكبار يبررون القتل والانتحار وما يسمّونه جهاداً لإسقاط سورية، يكتفون بالبيانات الباهتة فيما يخصّ غزة، وجماعة «ما بيخصنا» معجبون بهؤلاء العرب، لكن هؤلاء، واللبنانيون منهم خصوصاً لا يسألون أنفسهم ماذا لو سقطت غزة، والجواب بسيط، ليس المقاومة سوف تكون الهدف التالي، وهي تملك ما يكفي لتدافع عن وجودها وقوتها. لكن ماذا عن لبنان، أليس سقوط غزة يعني تمرير صفقة القرن وإعادة الحياة لها، وفي قلبها مشروع التوطين؟ وهل يدرك جماعة «ما خصنا» أنهم عملياً يقولون بأنهم يوافقون على التوطين، كمثل ما يعني انخراط الذي يقولون إنهم لا يريدون توطين النازحين السوريين في لبنان، في الدعوة لإسقاط الدولة السورية، وهم لا ينتبهون أن سقوط الدولة السورية هو الطريق الأقصر لتوطين النازحين.
– أما الجواب على جماعة «شو ناطرين»، فيبدأ من التأكيد أن عملية طوفان الأقصى هي عملية نوعية تراكمية في مسار الانتصارات التي تزيد ثقة الشعب الفلسطيني بقدرته على الانتصار، وتزيد الالتفاف حول خيار المقاومة وقواها، مثله مثل تحرير جنوب لبنان وتحرير غزة وحروب 2006 و2008 و2014، و2018 وسيف القدس ووحدة الساحات وثأر الأحرار، تراكمات نحو المنازلة الشاملة، التي لا يرغب محور المقاومة بخوضها بكلفة عالية على شعوبه وعواصمه وقواه، وهو واثق بأن خطته لبناء التراكمات ستتيح بلوغ هذه المنازلة في زمن غير بعيد، والكيان قد تآكل وبات عاجزاً عن الحرب وتكون الكلفة قد باتت أقل بكثير. والاستعجال بخوض هذه المنازلة تهور وتحميل لشعوب وعواصم خصوصاً في لبنان وسورية وفلسطين، ما يزيد عن قدراتهم، ولذلك فإن المقاومة الجاهزة والمستعدّة للذهاب إلى الحرب الكبرى إذا اقتضت حماية غزة من السقوط خوضها، ليست مستعجلة لخوض هذه الحرب، ولذلك تدعو المستعجلين بحسن نية الى مراقبة مسار انتصارات المقاومة والتحقق من مدى تعبيره عن حكمة وشجاعة قادة هذه المقاومة، والتيقن من أن الثقة بهذه الحكمة وهذه الشجاعة هو خير من الحماسة والمبالغة في استسهال الحرب الكبرى وأكلافها وشروط الفوز بها.
– لقد نقلت المقاومة المنطقة من معادلة من يريد الحرب ويقدر عليها، وهو الاحتلال، مقابل من لا يقدر على الحرب حتى بات لا يريدها، الى معادلة، من يريد الحرب لا يقدر عليها، وهو الاحتلال، مقابل من يقدر على الحرب لا يريدها، وهي المقاومة، وصولاً الى معادلة، من يريد الحرب يخشاها، وهو الاحتلال، ومن لا يريد الحرب لا يخشاها، وهي المقاومة. والآن معادلة، من باتت الحرب وجودية بالنسبة إليه لكنه لا يملك مقدراتها، وهو الاحتلال، مقابل من يملك مقدرات الحرب لكنها ليست وجودية بالنسبة إليه، وهي المقاومة.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً