مقالات مختارة
عيون الجميع شاخصة نحو موقف حزب الله كعنصر حاسم في ترتيب المشهد الإقليمي حول ما يجري في غزة. فالأميركي لا يُخفي أنه جلب حاملات الطائرات أملاً بردع الحزب عن الدخول الفاعل والحاسم على خط الحرب، والقوة الوحيدة التي يمكن لدخولها على خط الحرب أن يحدث تغييراً جوهرياً معنوياً ومادياً على بنية الكيان وجيشه هي قوة حزب الله، كما يقول قادة الكيان السياسيون والعسكريون. والواضح أن معادلات وحسابات حزب الله تربك كل من يراقبون مواقفه، وصمت أمينه العام يزيد من إرباك كل الذين يراقبون، رغم التأكيدات الواضحة من قيادات الحزب بأنه ليس على الحياد وأنه لن يترك غزة وحيدة وأنه سوف يعمل ما يناسب في الوقت المناسب. والإحاطة الأميركية والغربية الداعمة لجيش الاحتلال للقيام بعمل عسكريّ يرد الاعتبار لمهابة وقوة هذا الجيش ولو على حساب المعايير الأخلاقية والإنسانية توفر الصمت السياسي على جرائم هذا الجيش باعتبارها من ضرورات استرداد معنوياته والتمهيد للعملية العسكرية، لكن قيادة الكيان السياسية والعسكرية تتهيّب بدء العملية البرية قبل الاطمئنان لفعالية الضغوط الأميركية الهادفة لضمان أن حزب الله لن يتدخل بقوة في حال حدوثها، مكتفياً حتى ذلك الوقت بمواصلة القتل والتدمير، بينما تتحدث التحليلات الإعلامية عن حتمية دخول حزب الله على خط الحرب بقوة مع بدء هذه العملية.
في قلب هذه الحلقة المفرغة، حيث الأميركي ينتظر بدء الإسرائيلي للعملية البرية، والإسرائيلي ينتظر تأكيدات أميركية بعدم تدخل حزب الله مع بدء العملية، وما يتمّ تداوله عن ربط حزب الله للتدخل الواسع النطاق ببدء العملية البرية، تحدث ثلاثة أمور تتكفل بتغيير المعادلة وكسر الحلقة المفرغة: الأمر الأول هو ان عملية القتل المفتوح في مذبحة غزة تستمرّ بوتيرة يصعب تحمل تداعياتها، سواء في المستوى الشعبي أو السياسي عربياً ودولياً، أو بالنسبة لحزب الله ومحور المقاومة، أو في تطور المواجهة في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 48. والأمر الثاني هو تزايد الضغوط في الرأي العام الأميركي والرأي العام داخل الكيان لصالح أولوية العمل للإفراج عن الأسرى والرهائن، على حسابات العملية العسكرية. أما الأمر الثالث، فهو الأهم وقد بدأت طلائعه تظهر وتنمو، وهو الشارع المتحرك في البلاد العربية وفي الغرب، وأبرز مؤشراته القياسية تظهر في الشارعين الأردني والفرنسي، مع تقدير أهمية ما ظهر في جامع الأزهر من حشود تهتف لفلسطين وغزة والأقصى وعشرات التظاهرات التي شهدتها عواصم ومدن عربية وغربية ومنها مليونيات صنعاء وبغداد، لكن القيمة القياسية سياسياً تبقى لعمان وباريس، حيث الحكومات عنصر تعطيل للحراك الشعبي وأداة ضغط عكسي عليه، والبلدان مفصليان سياسياً في تشكيل المشهد المحيط بالحرب، وكما هو واضح من تجارب سابقة ومما يجري الآن، فإن الخطّ التصاعدي لهذين الشارعين، سوف يتكفل بتغيير الكثير في المشهد، ويستنهض معه شوارع عربية وغربية أخرى لا تقلّ أهمية، سواء في مصر والمغرب او بريطانيا وألمانيا، وطلائع هذه الشوارع ظهرت وتبشر بالتصاعد.
إن فعل هذه العوامل الثلاثة معاً لا يمنح حكومة كيان الاحتلال وجيشه مهلة تزيد عن أسبوع، وعلى الأكثر عشرة أيام، لاستثمار جدار الحصانة الذي وفّرته واشنطن، قبل أن يتفكّك هذا الجدار، وتعلو الصيحات الضاغطة لوقف النار وفكّ الحصار وتأمين المستلزمات الإنسانية على حساب الفوز بالحرب، وتتقدّم قضية تحرير الأسرى والرهائن على قضية الحرب، وينقلب المزاج الشعبي بقوة لصالح الدفع بمواقف مناهضة للكيان، حتى من مؤيديه وأصدقائه وحلفائه. وفي قلب هذه العوامل فإن الذين يراقبون حزب الله وتحرّك موقفه، لا ينتبهون أنه هو من يراقب هذه العوامل وفعلها، ويراقب تفكيك هذه العوامل المتسارع لجدار الدعم والحصانة الممنوح للكيان، فتحلّ معادلة التدخل لحماية غزة من المذبحة مكان معادلتي، ردع العملية البرية، وربط التدخل ببدئها.
الأسبوع القادم حاسم، ما لم تبدأ العملية البرية قبل نهايته، لأنها إن كانت صعبة أو شبه مستحيلة الآن، فسوف تصبح مستحيلة عندها. وإن بدأت العملية البرية قبل نهاية المهلة، فسوف تكون مشكلة قيادة الكيان وجيشه بما تستدرجه العملية البرية من عوامل فعل منظورة ومتوقعة، وغير منظورة وغير متوقعة، حيث تتكفل بجعل هذه العملية التي يُراد منها إنقاذ سمعة جيش الاحتلال، الى سبب لانهيار كامل لهذه السمعة.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً