صراع مع الحق ـ عدنان الساحلي

الجمعة 13 تشرين الأول , 2023 08:30 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مهما حشدت أميركا ودول الغرب من قوى وأساطيل، فإن فلسطين ستبقى حقيقة قائمة؛ وسيبقى ابناؤها مجاهدون لإستعادتها وتحريرها من الغزاة الصهاينة، ليس فقط لأنه ما ضاع حق وراءه مطالب، بل لآن حقيقة ومحطات الصراع مع الغرب الإستعماري، بوجهيه الأوروبي والأميركي، في إقامته قاعدته العسكرية المتقدمة "إسرائيل"، تؤكد هذه الحقيقة وأن هناك إصراراً شعبياً وإنسانياً برعاية إلآهية، على السير في طريق رفض هذا الكيان "الإسرائيلي" غير الشرعي؛ وإقتلاعه من جذوره مهما طال الزمن؛ ومهما غلت التضحيات.

عندما أنشيء الكيان الغاصب على أرض فلسطين عام 1947، كان القسم الأكبر من الأنظمة العربية متواطئاً مع بريطانيا ودول الغرب الإستعماري والحركة الصهيونية، لأنه من إرث تلك الدول؛ وكان القسم الآخر ما يزال رازحاً تحت الإحتلال الإستعماري. وجرت مسرحيات الحرب، التي أرسلت فيها جيوش مزودة بأسلحة فاسدة وأوامر بعدم تخطي خطوط معينة في النار والجغرافيا. وجرى إستدعاء جيش الإنقاذ للخروج من فلسطين، حتى يدخلها مع الجيوش العربية؛ وما زال الإنتظار مستمراً، فيما الهدف كان طمس الصراع وجعل الكيان المفتعل جزءاً من المنطقة، بل حاكماً لها.

لكن حسابات المستعمر وأتباعه في المنطقة العربية، سقطت مع ردات الفعل المدروسة وحتى العشوائية، التي أطلقت إنقلابات عسكرية أطاحت بانظمة وعائلات حاكمة، جزاء خيانتها لقضية فلسطين وتواطؤها مع الغزوة الصهيونية، التي شكل كيانها بديلا عن الوجود الإستعماري المباشر، المرفوض من كل شعوب العالم. وكان أبرز ردات الفعل العربية في ذلك الوقت، إنتفاضة الجيش المصري على الحكم الملكي بقيادة جمال عبد الناصر والضباط الأحرار، بعدما إكتشف ذلك الجيش فضيحة تسليحه باسلحة فاسدة ليحارب فيها العصابات الصهيونية، مما مكنها من حصار الجيش المصري في الفلوجة؛ ومنعه من تأدية دوره في حماية الشعب الفلسطيني قبل تهجيره من أرضه.

وقيض لمصر الناصرية أن تقود العرب لثمانية عشر عاماً، مانعة دمج الكيان الصهيوني في المنطقة؛ وداعمة لكل عمل مقاوم ضده، بما في ذلك مواجهتها للعدوان الثلاثي عليها، عام 1956. كما تصدت لكل خطوة خيانية تقدم عليها الأنظمة المستسلمة لأوامر دول الغرب الإستعماري. وخيل للأخيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، أن هدفها أصبح قابلاً للتحقق، برحيل جمال عبد الناصر، عام 1970، لكن حيوية دفاع الحق عن وجوده، كانت قد أطلقت مجموعة من الفصائل الفلسطينية المقاتلة، رفعت راية التحرير والعودة؛ وهي التي قال أنها عبد الناصر قبل رحيله، إنها  اشرف ظاهرة في الأمة العربية وإنها وجدت لتبقى ولسوف تبقى.

وهكذا إنقضت مرحلة وجاءت مرحلة وشعلة المواجهة ضد الكيان الصهيوني متوهجة والقتال ضده مستمر. لكن أصحاب مشروع الغزو الصهيوني لفلسطين والمنطقة، ظنوا أن القضاء على الثورة الفلسطينية سيكون خاتمة جهودهم، لتكريس وجود "إسرائيل" ولضمان بقائها. فكان الإجتياح الصهيوني للبنان ولعاصمته بيروت عام 1982، الذي أنتج تشريداً للمقاتلين الفلسطينيين في المنافي العربية، بعيداً عن أرض المواجهة. كما أنتج نظاماً متصهيناً في لبنان ومجازر في مخيمي صبرا وشاتيلا. لكن الرعاية الإلهية للحق العربي والفلسطيني، لم تترك هذه الخطة تحقق غايتها في حصار قوى الرفض والممانعة، فكان نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979؛ وإطاحتها باحد أعتى أنظمة الخيانة والعمالة للغرب وللولايات المتحدة، سنداً جديداً لفلسطين وللعرب في صراعهم ضد الوجود الإستيطاني الصهيوني في قلب الوطن العربي.

وجاء إرسال قوة من الجيش الإيراني وحرس الثورة إلى سورية ولبنان، للمشاركة في صد التقدم "الإسرائيلي"، الذي وصل إلى قرية السلطان يعقوب، على الباب الغربي لدمشق، لجهة لبنان؛ وإلى عين دارة في الشوف قرب معبر ضهر البيدر الجبلي، فرصة لمجموعة من الشباب المسلم، لتأسيس مقاومة قاتل أفرادها ضد الغزو "الإسرائيلي" من البداية، في خلدة وكلية العلوم في الجامعة اللبنانية وغيرها من مواقع. فكان ذلك إنقلاباً كاملاً على المخطط الأميركي-الغربي- الصهيوني، الذي كان وما يزال يحظى بقبول وتواطوء حكام بعض الدول العربية الخانعين، الذين يخافون على كراسيهم وأموالهم من غضب قوى الهيمنة العالمية عليهم. واسقط التحالف الوطني اللبناني- السوري إتفاق 17 أيار الخياني عام 1984. وواجهت تلك المقاومة الوليدة مع غيرها من المقاومين، المحتل "الإسرائيلي" في كل المواقع التي يحتلها. وصمدت أمام عدوان هذا العدو في عامي 1993 و1996. وانجزت التحرير عام 2000. ثم هزمت عدوان 2006 وأفشلت كل المؤامرات لإلغائها ونزع سلاحها. وعندما إستعمل الغرب وأدواته في المنطقة، القوى التكفيرية تحت لافتة "الربيع العربي" المضللة، التي كلف بتنسيق حركاتها الصهيوني برنار هنري ليفي، برزت مقاومة "حزب الله" قوة مميزة في ادائها وقوتها. وتمكنت مع حلفائها في محور المقاومة من هزيمة ذلك المشروع، الذي إستهدف بالسلاح سورية والعراق ولبنان واليمن. في وقت كان لوجود هذه المقاومة مع الدعم الإيراني الكامل والمتنوع لها، عاملا أساسياً في إنطلاق قوى مقاومة جديدة في فلسطين، تخطت من باع القضية في أوسلو وأسقط برنامج منظمة التحرير. وهذه القوى هي التي لقنت العدو الصهيوني درسا مريراً الأسبوع الماضي، في إقتحامها مستعمراته التي تحاصر قطاع غزة. وهذا النصر الكبير دفع الإدارة الأميركية خادمة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، إلى إرسال حاملات طائراتها وتلتها بريطانيا، لنجدت الكيان حتى لا ينهار. لكن الصراع سيستمر مهما حصل؛ والمنطقة العربية طردت غزوة الحروب الصليبية بعد 194 سنة على دخولها المنطقة. وطردت غزوة نابوليون بونابرت وإنتدابات ما بعد الحرب العالمية الأولى. وستطرد هذا الإستعمار الصهيوني مهما طال الزمن.

  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل