مقالات مختارة
ريتشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا المفجوع بهزيمة الجيش الإسرائيلي وقف بالأمس على منبر يهودي في لندن مغالباً دموعه وهو يعلن تأييده المطلق لليهود الذين يتعرّضون لخسائر فادحة جراء الهجوم المفاجئ الذي شنّته قوات القسام الفلسطينية على المستوطنات وقواعد الجيش الإسرائيلي المحيطة التي تخنق غزة وتحيط بها من كلّ صوب إحاطة السوار بالمعصم.
لم يسأل القادم من بلاد الهند عن سبب الهجوم الفلسطيني ومبرّراته. لم يسأل عن أسلوب القمع والقهر والاستلاب الذي يمارسه الحاكم العسكري الإسرائيلي ضد المواطن الفلسطيني كلّ يوم.
لم يسأل عن الفتيات والسيدات والأطفال وكلّ السجناء المحتجزين إدارياً في السجون الإسرائيلية، تلك السجون التي تسمم المحتجزين وتمنع عنهم الماء والدواء والغذاء ونور الشمس.
لم يسأل كيف قُتل الطفل محمد الدرة في حضن والده بعد ساعات من المناورة والعذاب أمام أعين العالم كله، كيف قتله جندي إسرائيلي حاقد برصاص دمدم شلّع صدره وكبده. لم يسأل كيف حرم «عاشق» الحياة الإسرائيلي الطفل الفلسطيني من الحياة.
لم يسأل أيضاً كيف قتل الجندي الإسرائيلي «المثقف» شيرين أبو عاقلة، أيقونة الصحافة الفلسطينية، بدم بارد أمام كاميرات المراسلين، وكيف تواطأت معه قيادته العسكرية لمنع المحاكمة عنه على اعتبار انّ الجندي الإسرائيلي، مثل الجندي الأميركي، لا يُسأل ولا يُساءل، ولا يخضع للتحقيق أو المحاكمة عندما يوجه رصاصه القاتل الى وجه طفل أو سيدة من «الطرف الآخر».
لم يسأل رئيس وزراء بريطانيا «المتمسك» بأهداب القانون الدولي كيف تشجّع بلاده حصار غزة وتجويعها ومنع الإمدادات عن سكانها ومستشفياتها ومدارسها طيلة عقود دون أن تتحرّك لجان حقوق الإنسان البريطانية التي تقيم الدنيا إذا تمّ توقيف بريطاني بالجرم المشهود في تركيا أو مصر، وتلتزم الصمت المطلق إذا كان الموقوف فلسطينياً أو عربياً.
ربما كان ريتشي سوناك مستجداً في الصنعة يحاول التقرّب من الجالية اليهودية في بريطانيا كي يحافظ على موقعه الرفيع، لكننا نذكّره انّ معاناة الشعب الفلسطيني بدأت وتطوّرت الى نكبة ثم الى مأساة مستدامة بسبب قرارات حكومة صاحبة الجلالة التي اختارت اضطهاد الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه السياسية والمشاركة في قتل أفراده وتهجيره من أرضه وإحلال مستوطنين يهود محله في كيان عنصري دموي عدواني مهمته حماية المصالح الاستعمارية وخطوطها التجارية والعسكرية، وضرب كلّ حركة فلسطينية أو عربية تتجه نحو الوحدة أو الاستقلال.
نحن لا نعتب عليك كثيراً سيد سوناك فأنت مجرد أداة مرحلية أتى بك العقل الاستعماري البريطاني الحديث لتلطيف وجهه الكالح أمام الأقليات التي اضطهدها، كما لخداع الشعوب التي استعمرها وبثّ سمومه في مياهها وترابها وأروقتها وسراياتها كي تبقى له ذخراً يوم يحتاجها، أو يوم يتجدّد الصراع بينه وبين الشعوب التي تستيقظ من سباتها لتسأل عن نفطها ومناجمها وأموالها وأجمل ما في تراثها المعلق في ردهات المصارف والمسارح والمتاحف ومختلف المقار الرسمية البريطانية.
تكلم كما تشاء يا سيد سوناك، فأنت إنْ نسيت وعد بلفور فنحن لم ننسَه. وتملّق كما تريد يا سيد سوناك فأنت إنْ نسيت غوردن باشا ومجازره في السودان فنحن لم ننسَه. لكننا نأمل منك أن تتذكر وكلّ نظرائك الاستعماريين أنّ شعبنا قرّر الحياة منذ زمن بعيد، ولذلك لن تهمّه مطلقاً أداة عارضة احترفت إحناء الرأس لسيد القهر والنهب والنميمة في العالم.
بشارة مرهج ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً