"طوفان الأقصى"... انتصارات الأمة لم تعد حدثاً من الماضي

الأربعاء 11 تشرين الأول , 2023 10:49 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

لم تمر ذكرى حرب أكتوبر هذا العام كعادتها على الكيان الغاصب الذي بات يشعر بأن لا مجال لدى العرب، ولا حتى مجرد التفكير، بخوض حرب معه. الذكرى الخمسون لم تكن كسواها، وما فعله الفلسطينيون فاق التوقعات وعزز فينا الإيمان بالغيبيات، لنقول مجدداً: "وما النصر إلا من عند الله".

جاءت عملية "طوفان الأقصى" في الوقت الذي بات الشارع العربي والإسلامي بأمس الحاجة إليها، بعدما كثرت الهزائم وتوالت الخيبات. جاءت العملية لتنقلنا من العار الذي لحق بأمتنا وديننا بعد ما سمي بـ"الربيع العربي"، الذي لم يكن في الواقع سوى خريف صهيوني دمر الأمة واستنزف خيراتها. هذا الربيع سعى لتعزيز الانقسامات الدينية والمذهبية وتكريس أقذر حرب عاشتها شعوب المنطقة.

"طوفان الأقصى" أكدت أن دين المقاومين واحد. أما المتخاذلون المتصهينون فلا دين لهم ولا وعهد ولا ميثاق. موجة التقسيمات الدينية التي سعى "الربيع العربي" لتكريسها بين أبناء المنطقة باتت من الماضي، فالمقاومة، سنية وشيعية ومسيحية، لا يجمعها سوى الوطن والاستعداد للموت في سبيله.

يكفي أن يرى دعاة الطائفية أن من يقف خلف حماس السنية هي إيران الشيعية وحزب الله وسوريا وكل من آمن بحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه واستعادة مقدساته.

جاءت العملية لتؤكد لنا أن الإيمان بالمبدأ والقضية قادر على تعويض النقص في توازنات القوى مع العدو، وأن القدرة هي المعيار. وليست القوة هي وحدها من يحدد نتيجة الصراع، فمن يمتلك القوة ليس بالضرورة أن يكون قادراً على الفعل وصناعة النصر إذا لم يمتلك العزيمة والإيمان بالقضية التي يقاتل من أجلها.

لا يمكن النظر إلى ما قام به الفلسطينيون كفعل، بل هو رد فعل على ما قامت وتقوم به حكومة الاحتلال تجاههم، بدءاً من احتلال أراضيهم ونهب ممتلكاتهم، وانتهاء بتدنيس مقدساتهم ومحاولة التعرض لكرامتهم وحقهم في العيش الكريم.

ما تعرض له الكيان أكَّد لهم مرة أخرى أن لا مستقبل لهم في هذه المنطقة. هذا ما يؤكده التاريخ الذي ينبئنا بأنه "لا يضيع حق وراءه مطالب"، فكيف إذا كان وراءه مقاتل مستعد للموت ليكون شهيداً دون حقه ودينه وعرضه!

أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" باتت من الماضي، وقبتهم الحديدية لم تصمد أمام نعال المقاومين ورشقات صواريخهم. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد عرض قبل أيام في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خارطة زعم فيها أن "إسرائيل" باتت في مأمن بعدما أقامت اتفاقيات "سلام" مع أكثر دول المنطقة. 

تلك الخارطة أظهرت رفضه وجود دولة فلسطينية، وتبجحه بـ"السلام" مع كل الدول الخليجية والأردن ومصر و"إسرائيل"، وحديثه عن أن الشرق الأوسط الجديد (الذي روج له سلفه شيمون بيريز عام 1992، وبشرت به كونداليزا رايس عام 2006) بدأ يرتسم.

كلامه هذا أثبت انفصاله عن الواقع أو هروبه من أزماته الداخلية التي يعانيها نتيجة للإصلاحات القضائية التي مررها، والتي تسببت بأزمات داخلية وخارجية لحكومة الاحتلال التي يرأسها. وقد أكد نتنياهو أمام العالم كله أن الممر الهندي بدأ يتشكل، وأن لـ"إسرائيل" دوراً محورياً فيه.

كل ذلك لم يكن سوى وهم سياسي وسوء تقدير. هذا ما أكدته عملية "طوفان الأقصى" التي سيكون من أولى نتائجها خسارة نتنياهو مستقبله السياسي بكل تأكيد، وهو ما يذكرنا بغولدا مائير، رئيسة حكومة الاحتلال عام 1973، التي اضطرت إلى تقديم استقالتها بعد هزيمة أكتوبر. 

الأوضاع الداخلية في "إسرائيل" ليست في أحسن أحوالها، وعلاقات حكومة الكيان مع القوى الدولية الفاعلة في تراجع كبير، وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ لم يلتقِه الرئيس الأميركي منذ إعادة انتخابه سوى مرة واحدة حين مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ما تمخض عن الاجتماع يشير، وبشكل واضح، إلى انفصالهما عن الواقع، إذ تحدثا عن مستقبل الديمقراطية في "إسرائيل" وسوى ذلك من أشياء، وهو ما يؤكد أن حركة حماس استطاعت تحقيق عنصر المفاجأة، وأنها محصنة ضد الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية وعملائها في المنطقة.

ولعل ما يشغل بال الجميع في المرحلة الحالية هو التنبؤ بمستقبل الصراع، وما سيقوم به الكيان المجرم في محاولته استعادة هيبته ورفع معنويات مستوطنيه. من المفيد هنا التأكيد أن محور المقاومة اليوم في حال أفضل عما كان عليه بعد حرب تموز 2006، وأن "وحدة الساحات" ليست مجرد شعار، بل هي خيار استراتيجي يعني أن محور المقاومة قد لا يتدخل في الحرب التي تجري الآن، لكنه لن يسمح بحال من الأحوال بهزيمة حماس.

لذا، من المستبعد حالياً دخول حزب الله على خط المواجهة مع الكيان الصهيوني، وما حدث من مناوشات كان مجرد رسالة سياسية مفادها أن الحزب حاضر ولن يتردد إذا تطلب الأمر ذلك.

طريقة تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" تجعل الجميع يعيد حساباته بالنظر إلى محور المقاومة وقدرته على الفعل والعمل. كما أن المزاج الشعبي العام في فلسطين وغيرها من الدول العربية بات أكثر تأييداً وقناعة بأن لا سبيل للتعامل مع الكيان الصهيوني إلا بالقوة. أما الدول العربية التي سعت للتطبيع مع الكيان وتوقيع اتفاقيات "سلام" معه، فأعتقد أنه ستعيد حساباتها كثيراً.

إيران التي كانت حكومة الكيان تعدهم بمواجهتها، لم تعد اليوم عدواً لهم، وخصوصاً بعد المصالحة بين إيران والسعودية بوساطة صينية. كما أن "إسرائيل" ثبت، وبالدليل القاطع، أنها غير قادرة على حماية نفسها، فكيف لنا أن نتخيل أنها قادرة على قيادة حرب لمواجهة إيران!

أما المطالب أو الضغوطات الأميركية على السعودية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فربما باتت من الماضي، وخصوصاً أن المملكة يبدو أنها لم تكن متشجعة على الإقدام على خطوة كهذه.

أما الحديث عن التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية، فلا قيمة له ولا معنى، وخصوصاً أن التطبيع خيار شعبي لا رسمي. ولعل ما قام به الشرطي المصري ضد السياح الإسرائيليين خير دليل على ذلك؛ فبعد مرور أكثر من 44 عاماً على ما سمي باتفاقية "السلام" المصرية الإسرائيلية، لا يزال الشعب المصري في مقدمة الشعوب الداعمة لفلسطين والمؤمنة بقضيتها.

أما سوريا، فقد أثبتت الأيام، أنها، ورغم كل ما تعانيه من مشكلات نتيجة للحرب التي فرضت عليها، ما زالت الداعم الأهم والأكبر لجميع حركات المقاومة الوطنية.

كل الدول العربية اكتفت بإصدار بيانات عبر وزارات خارجيتها إلا سوريا، فقد كانت صفحة رئاسة الجمهورية معبرة عن الدعم السوري المطلق لما يحدث في فلسطين. كما ثبت أن العلاقات السورية الإيرانية باتت فوق الاختبارات، كيف لا وقد اتحدت دماء الشعبين في مواجهتهما الشيطان الأكبر وأدواته في المنطقة!

"طوفان الأقصى" ترفع معنويات جميع شعوب ودول المنطقة، فهي بمنزلة الرد على الهجوم الجبان على الكلية الحربية في مدينة حمص السورية، وهي الرد على مشروع "الممر الهندي" الذي يستهدف حرمان مصر من إيراداتها من قناة السويس، عبر إيجاد قناة بديلة تربط "إسرائيل" بالبحر المتوسط. كذلك، أسهمت تلك العملية في إعطاء دعم لمبادرة الحزام والطريق الصينية، بعدما وجهت ضربة إلى المشروع الهندي المنافس لها.

نتائج كبيرة سوف تترتب على تلك العملية. ومهما كانت تلك النتائج قاسية على الصعيد التكتيكي، إلا أنها وبكل تأكيد سوف تكون نصراً على الصعيد الاستراتيجي، مع الإشارة هنا إلى غياب الدور العربي الفاعل والموحد والداعم لتلك العملية، ولحقّ الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مع التأكيد على أهمية الدور الإيراني الثابت والواضح والمتوازن والداعم للقضية الفلسطينية منذ اليوم الأول لقيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.

التصريحات الأميركية لن ترهبنا. أما بوارجهم، فتزيد الأمل فينا لرؤية ساعر تحترق مرة أخرى في مياهنا الإقليمية. الرحمة للشهداء، والشفاء العاجل للجرحى والمصابين، والخزي والعار للمطبعين والمتآمرين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية.

 

 شاهر الشاهر ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل